مقاصد سورة غافر

سورة غافر هي إحدى السور المكية؛ لذلك تدور مقاصد سورة غافر حول بيان أهمية الدعوة إلى الله وتفويض الأمر إليه مع الحديث عن المعركة الدائرة بين الحق والباطل والهدى والضلال؛ ولهذا جاء جو السورة مشحونًا بطابع من الشدة، وكأنه جو معركة رهيبة النزال فيها محتدمًا، ثم تسفر أخيرًا عن مصارغ الطغاة.

مقاصد سورة غافر

موضوعات ومضامين سورة غافر

تتمثل مقاصد سورة غافر تفصيلًا فيما يأتي:

بيان صفات الله تعالى

بدأت سورة غافر بما يقتضي تحدي المعاندين في صدق القرآن الكريم، كما اقتضاه الحرفان المقطعان في فاتحتها {حم} وأُجري على اسم الله تعالى من صفاته ما فيه تعريض بدعوتهم إلى الإقلاع عما هم فيه، فكانت فاتحة السورة مثل ديباجة الخطبة، مشيرة إلى الغرض من تنزيلها.

عددت الآيات الصفات الإلهية فذكرت أن من صفاته عز وجل أنه العزيز العليم، فهو الذي قهر بعزته كل مخلوق ولديه علم كل شيء، كما أنه غافر الذنب للمذنبين، وقابل التوب من التائبين، شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب، ولم يتب منها، وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضل على عباده الطائعين، لا معبود تصلح العبادة له سواه، وإليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب، فيجازي كلا بما يستحق.

قال تعالى: (حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

حال الكفار وتكذيب الأمم السابقة

بينت الأيام جدال الكافرين حول الدعوة الإسلامية، ومثلت حال المجادلين بحال الأمم التي كذبت رسل الله، حيث كذبت قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ومن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود، فقد عزموا على إيذائهم وتجمعوا عليهم بالتعذيب أو القتل، وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقتلوه، وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بجدالهم الحق، فأخذهم الله بالعذاب الشديد، وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذبت رسلها، حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.

وذلك من قوله تعالى: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) إلى قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ).

حملة العرش وتسبيحهم ودعاؤهم

تعرض الآيات مشهد حملة العرش في دعائهم الخاشع المنيب ينزهون الله عن كل نقص، ويحمدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به حق الإيمان، ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين، فيدعون للذين تابوا من الشرك والمعاصي، وسلكوا الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه وهو الإسلام، وجنبهم عذاب النار وأهوالها. وفي ذلك إعانة وعزاء للمسلمين لكي يستمروا في التصدي للمشركين والتمسك بدين الله رغم ما يواجهونه من شدائد ومصاعب.

وذلك من قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ…) إلى قوله تعالى: (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

مصير الكافرين وندمهم

تُوضح الآيات مصير الكافرين وندمهم على كفرهم في الآخرة، حيث أن الجاحدين بالله عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم، يمقتون أنفسهم أشد المقت، وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لمقت الله في الدنيا- حين طُلب منهم الإيمان به واتباع رسله، فأبوا – أكبر من بغضهم لأنفسهم الآن، فأدرك الكافرون أنهم يستحقون لعقاب الله تعالى وسخطه عليهم.

وذلك من قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ…) إلى قوله تعالى: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ).

من مظاهر قدرة الله

تتحدث الآيات عن مظاهر قدرة الله تعالى وتؤكد على وجوب إفراده بالعبادة، فهو الذي يظهر قدرته بما نشاهده من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها، وينزل من السماء مطرًا نُرزق به، ولكن لن يتذكر بهذه الآيات إلا من يرجع إلى طاعة الله، ويخلص له العبادة. وذلك من قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا) إلى قوله تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ).

يوم الفصل وأحوال الناس فيه

تتناول الآيات يوم الفصل وما يحدث فيه من أهوال مع استعراض أحوال الناس فيه، فيوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم، لا يخفى على الله منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء، وفي ذلك اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر، لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته. فالله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه، والذين يعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك.

وذلك من قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) إلى قوله تعالى: (…فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

صور من مسيرة الدعاة

ذكرت الآيات قصة الإيمان ومواجهة الطغاة، وذلك من خلال استعراض جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون، تمثل موقف الطغيان من دعوة الحق. وفيها ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، يدفع عن موسى ما هموا بقتله، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر، ثم في صراحة ووضوح في نهايته. يعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة، ويحذرهم يوم القيامة، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته.

وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) إلى قوله تعالى: (قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).

اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الروم

عهد من الله لنصر المؤمنين

تُشدد الآيات على نصر الله للمؤمنين لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، فقد جاء الخطاب الإلهي جازمًا: إنا لننصر رسلنا ومن تبعهم من المؤمنين، ونؤيدهم على من آذاهم في حياتهم الدنيا، ويوم القيامة يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذبت رسلها، فتشهد بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم، وأن الأمم كذبتهم، فعندها لا ينتفع الجاحدون الذين تعدوا حدود الله بما يقدمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله.

تضمنت الآيات تأكيدًا على عدم استواء المؤمنين الذين يهتدون بهدي الله ويقزون بوحدانيته مع الجاحدين الذين يغضبونه وينكرون دلائله البينة، وانتهى ذلك الجزء الهام من السورة بتوجيه الأمر إلى النبي محمد ومن معه بضرورة الصبر والإمضاء في طريق الدعوة والاستقامة، فوعد الله حق وحتمًا سيُنجز ما وعد به.

وذلك من قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) إلى قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ).

من نعم الله على عباده

اشتملت مقاصد سورة غافر على إبراز العديد من مظاهر نعم الله على عباده، فهو الذي جعل الأنعام للناس لكي ينتفعوا بها بصور شتى، فالله تعالى يُبين آياته لكي يتعظ الإنسان ويعتبر، ولا يكون له حجة للإنكار. ويتضح ذلك من قوله تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) إلى قوله تعالى: (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ).

تهديد المشركين بمصيرهم الآخروي

خُتمت السورة بتوجيه تهديد حاد اللهجة للمشركين بضرورة الرجوع إلى الله قبل فوات الأوان، كما تحدثت الآيات عن مصارع المكذبين، وعدم انتفاعهم بالتوبة عند حلول العذاب. من قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ…) إلى قوله تعالى (… سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

اقرأ أيضًا: فضل سورة غافر

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version