يبلغ عدد آيات سورة الحج ثمانية وسبعين آية، وتقع في الترتيب الثاني والعشرين في المصحف، في الجزء السابع عشر، وتحديدًا الحزب الرابع والثلاثين، وقد تضمّنت السورة سجدتين؛ الأولى في الآية الثامنة عشرة، والثانية في الآية السابعة والسبعين، وتدور موضوعات ومضامين سورة الحج حول الإيمان والتوحيد مع الإنذار والتخويف للكفار والمشركين، والتأكيد على البعث والجزاء مع عرض مشاهد القيامة وأهوالها، كما ذكرت السورة بعض التشريعات كالإذن بالقتال والجهاد، وأحكام الحج والهدي.
موضوعات ومضامين سورة الحج
سورة الحج من السور التي تتناول جوانب التشريع إجمالًا، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الحج تفصيلًا في:
الإيمان بالساعة وحقيقة البعث
ابتدأت السورة بمطلع عنيف مخيف بالحديث عن يوم القيامة حيث وصفت الآيات الساعة بأنها تُذهل كل مُرضعة عما أرضعت كما تبلغ شدة الساعة أن تضع كل ذات حمل حملها كما يُصبح الناس سكارى يترنحون رغم أنهم ليسوا بسكارى، ثم تحدثت الآيات عن الجدال بغير علم، وبعدها انتقلت لتقيم البراهين على البعث بعد الفناء، من قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1}) إلى قوله تعالى : (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ {7}).
تقسيم الناس إلى فريقين
تناولت الآيات بعد ذلك انقسام الناس إلى فريقين وهما أهل السعادة وأهل الشقاوة، وقد حذرت الآيات من الجدال بغير علم مرة أخرى وتحدثت عمن يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم خير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجههم، فأولئك أهل الشقاوة ممن خسروا الدنيا والآخرة، بينما أهل السعادة هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقد أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار وذلك هو الجزاء العادل اللائق بهم. وذلك من قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ {8} ) إلى قوله تعالى : ( وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {18} {سجدة}).
الفصل بين الأمم يوم القيامة
تحدثت الآيات عن الخصومة التي دارت بين العباد ومصير كل فريق، حيث وصفت الذين كفروا بأن لهم عذاب شديد، وهذا العذاب يشتمل على الجانب المادي والمعنوي معًا، بينما أكدت الآيات على النعيم الذي يلقوه المؤمنون نظير إيمانهم، وذلك لأخذ العبرة والتمسك بالإيمان أمام تيارات الكفر الجارفة. من قوله تعالى : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ {19}) إلى قوله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ {24}).
الصد عن سبيل الله والمسجد الحرام
ذكرت عظم حرمة البيت العتيق وبناء الخليل إبراهيم له، وتحدثت عن عظم كفر هؤلاء المشركين الذين يصدون الناس عن المسجد الحرام، وأكدت الآيات على ضرورة تعظيم حرمات الله وعدم الاستهانة به حتى لا تكون العاقبة هي الخسران والضلال المبين، كما حذرت الآيات من الشرك فشبهت المشرك بالله بمن يخر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، ومن ثم تناولت السورة بعض المناسك التي شرعها لكل أمة مع التشديد على أن الإله واحد وهو الله عز وجل. من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء…. {25}) إلى قوله تعالى : ( كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37}).
الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين
لما بينّت الآيات مناسك الحج وما فيها من منافع في الدنيا والآخرة وأن الكفار صدوا عن المسجد الحرام، ذكرت هنا أنه تعالى يدافع عن الذين آمنوا، وذكرت حكمة مشروعية القتال ومنها: الدفاع عن المقدسات، وحماية المستضعفين، وتمكين المؤمنين من عبادة الله. من قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ {38}) إلى قوله تعالى : ( …وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ {41}).
الاعتبار بهلاك الأمم السابقة
اعتنت الآيات ببيان مصير الأمم السابقة التي كذبت بالأنبياء والمرسلين، فذكرت إنكار قوم نوح وعاد وثمود للرسالات التي جاء بها نوح وهود وصالح عليهم جميعًا السلام، كما اشتملت على إشارات لبعض الأقوام المكذبين مثل قوم إبراهيم ولوط وأصحاب مدين وقوم موسى، ولكن جاءت الآيات لتؤكد على تحقق نصر الله تعالى لأنبيائه مهما أملى الله للكافرين حتى يثبت فؤاد النبي صلى الله عليه ويوقن بأن نصر الله قادم لا محالة مهما تمادى الكافرون في الغي والضلال واستعجلوا العذاب كتعبير عن إنكارهم وتكذبيهم بالرسالة؛ لذلك حرصت الآيات على إحكام الوعي للنبي صلى الله عليه وسلم. وذلك من قوله تعالى: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ {42}) إلى قوله تعالى : (… إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ {60}).
من دلائل قدرة الله تعالى
اشتملت الآيات على ما يدلّ على قدرته تعالى الباهرة من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وبين نعمه، ومن ثم أتبعت ذلك بأنواع الدلائل على قدرة الله تعالى وحكمته وجعلها كالمقدمة لإثبات البعث والمعاد. وذلك من قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ {61}) إلى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ {66}).
بطلان شريعة ومنهاج المشركين
خُتمت السورة بالتأكيد على بطلان شريعة ومنهاج المشركين وذلك بضرب بعض الأمثلة التي تدل على عجز الكافرين وعدم تقديرهم لله تعالى حق قدره ومن ثم انتهت السورة ببعض الأوامر للمؤمنين لعبادة الله الواحد الأحد. وذلك من قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ… {67}) إلى قوله تعالى ( … وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {78}).
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة الحج
لطائف سورة الحج
تتناسب موضوعات ومضامين سورة الحج مع السورة التي قبلها حيث استهلّت سورة الحج آياتها بالحديث عن أهوال يوم القيامة، وقد تناسبت هذه البداية مع نهاية سورة الأنبياء التي قبلها، والتي خُتِمت بقول الله -تعالى-: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ)، وقد تطرقت سورة الأنبياء إلى بيان عدة مواضيع أخرى، منها: بديع خلق السماوات والأرض، ومراحل خلق الإنسان؛ إثباتا لقدرة الله -سبحانه- على البعث مرة أخرى، كما أنها دليل على وحدانية الله -سبحانه-، وتفرده بالخلق والإحياء، وقد كانت تلك المسائل محور دعوة الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وبيان دعوتهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده، وعدم الإشراك به، وبيان جزاء من لم يستجب لذلك.
وتميزت موضوعات سورة الحج بالتناسب مع السورة التي بعدها؛ وهي سورة المؤمنون؛ فقد خُتِمت سورة الحج بحثّ المسلمين على التمسك بأسباب الفلاح في الدنيا والاخرة؛ بأداء ما افترضه الله على المؤمنين من العبادات، كالصلاة، والزكاة، والتقرب إليه -سبحانه- بفعل الخيرات، ثم جاءت سورة المؤمنون لتبين فلاح المؤمنين، مما يؤكد الرابط بين السورتين، كما تطرقت السورتان إلى عدد من المسائل، منها: إثبات وجود الله، ووحدانيته بالدلائل الكونية التي تثبت ذلك، وذكرت السورتان قصص الأنبياء؛ للاتعاظ والاعتبار بها، كما ذكرتا عدة أدلة على قدرة الله، كقدرته على بعث الخلق، وإحيائهم بعد موتهم كما خلقهم وأنشأهم أول مرة.
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الرعد