فضل سورة التغابن
نزلت سورة التغابن بعد سورة التحريم، وهي في الجزء 28 وفي الحزب 56، رقمهما من حيث الترتيب في المصحف العثماني 64، عدد آياتها 18 آية، ويعظم فضل سورة التغابن بسبب ما تتضمنه من توجيهات إلهية.
فضل سورة التغابن
سورة التغابن من السورِ “المسبِّحات السبع” وهي: الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى، لأنَّها بدأَتْ بالفعلِ المضارع “يسبِّحُ” ثناءً وتمجيدًا لله -سبحانه وتعالى-، ولم ترِد في فضل سورة التغابن أحاديث خاصَّة بالسورة، إنَّما وردَ حديث “المسبِّحات السبع” الذي رواه العرباضُ بن سارية: “أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقرأُ المسبِّحات قبلَ أنْ يَرقدَ، وقالَ: إنَّ فيهِنَّ آيَةً أفضلَ منْ ألفِ آية”. (( الراوي : العرباض بن سارية | المحدث : أبو داود | المصدر : سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 5057 | خلاصة حكم المحدث : سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] ))
إنَّ رجلًا أتى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللَّهِ أقرِئني قال أقرَأْ من ذواتِ {الر} قال يا رسولَ اللَّهِ ثقُلَ لساني وغلظ جسمي قال أقرأ من الحواميمِ فقال مِثلَ قولِه الأوَّل قال أقرئكَ من المسبِّحاتِ فقال مثلَ قولِه الأوَّلِ قال عليكَ بالسُّورةِ الجامعةِ الفاذَّةِ { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ٍ} قال فقال الأعرابيُّ حسْبي. (( الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : نتائج الأفكار، الصفحة أو الرقم: 3/271 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ومما يدل على اختصاص بعض آيات سورة التغابن بالفضل، فقد جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ في قَولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ” قال: هؤلاء قومٌ من أهلِ مكَّةَ أسلَموا، فأبى أزواجُهم وأولادُهم أنْ يَدَعوهم يُهاجِروا، فلمَّا قَدِموا المدينةَ، فرَأَوُا الناسَ قد تَفقَّهوا في الدِّينِ، هَمُّوا أنْ يُعاقِبوهم، فنَزَلتْ هذه الآيةُ: “وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”. (( الراوي : عكرمة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار، الصفحة أو الرقم: 6/ 140 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وأيضًا فإنَّ فضل سورة التغابن كغيرها من سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن كلِّه للمسلمِ فيها أجرٌ كبير وفضلٌ عظيم، كما ورد في الحديث الذي قالَ فيه رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم-: “من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2910 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح ))
ورد في فضل سورة التغابن بعض الأحاديث ضعيفة الإسناد مثل: “ما من مولودٍ إلا مكتوبٌ في تشبيكِ رأسِه خمسَ آياتٍ من فاتحةِ سورةِ التغابنِ”. (( الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : ابن القيسراني | المصدر : تذكرة الحفاظ الصفحة أو الرقم: 279 | خلاصة حكم المحدث : [فيه] الوليد بن الوليد العنسي يروي العجائب لا يجوز الاحتجاج به ))
يكثر اختلاق الأحاديث في فضل سورة التغابن مثل غيرها من السور، ومن أشهر هذه الأحاديث: “مَنْ قرأ سورةَ التغابنِ دُفِعَ عنه موتُ الفجأةِ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 295 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
ومن الآثار الواردة عن أبي عبد الله في فضل سورة التغابن: من قرأ سورة ( التغابن ) في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة ، وشاهد عدل عند من يُجيز شهادتها ، ثمّ لا تفارقه حتّى تُدخله الجنّة . (( ثواب الأعمال : ١٤٦ / ١ ))
اقرأ أيضًا: فضل سورة الحديد
خواص سورة التغابن
تبدأ سورة التغابن بتسبيح الله والثناء عليه -سبحانه وتعالى- مبينة ومؤكدة أن جميع الخلائق في السماوات وفي الأرض تسبح الله تعالى وتمجده بصيغة الفعل المضارع “يسبح” والتي توحي بعظمة الله تعالى وتفيد الاستمرارية والديمومة، قال تعالى: “يُسبِّحُ للَّهِ ما في السَّمَاواتِ ومَا في الأَرضِ لهُ المُلْكُ ولهُ الحمْدُ وهُو علَى كلِّ شيْءٍ قدِيرٌ”.
تتوجه آيات السورة بالتحذير للكافرين والمشركين من التمادي في غيهم وطغيانهم وكفرهم وتشير إلى عاقبة الأمم السابقة التي كفرت بأنعم الله فأخذها الله بعذاب شديد في الدنيا وكانت عبرة لكل معتبر، قال تعالى: “أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” كما تذكر جحود الكافرين وإنكارهم ليوم البعث والحساب وتؤكد على أن الله سيجمع جميع الخلائق ليوم الحساب.
أكدت الآيات بعد ذلك على أن كل ما يصيب الإنسان هو بإرادة الله -سبحانه وتعالى- وبقضائه وبقدره، قال تعالى: “ما أصابَ من مصيبَةٍ إلاَّ بإذْنِ اللَّهِ ومَن يؤمِن باللَّهِ يهْدِ قلبَهُ واللَّهُ بكُلِّ شيْءٍ عليمٌ”، ثم حذرت المؤمنين من فتنة الأموال والأولاد على الإنسان المؤمن، قال تعالى: “إنَّما أموَالكُمْ وأولادُكُمْ فتنَةٌ واللَّهُ عندَهُ أجْرٌ عظِيمٌ”.
وفي الختام حثت على تقوى الله وطاعته والإنفاق في وجوه الخير والإحسان جميعها، قال تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
اقرأ أيضًا: فضل سورة الحشر