فوائد من سورة التوبة

سورة التوبة من أواخر ما نزل على رسول الله حيث نزلت عقب غزوة تبوك أي بعد 22 عاماً من بدء الرسالة والوحي. وكأن هذه السورة تمثل البيان الختامي للدعوة والرسالة، فقد كان المسلمون يستعدون لنشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية؛ لذا فإن توقيت نزول سورة التوبة في غاية الدقة والحكمة، ويستعرض هذا المقال فوائد من سورة التوبة.

فوائد من سورة التوبة

فوائد من سورة التوبة

تناولت سورة التوبة العديد من الموضوعات، وكانت أولى فوائد من سورة التوبة: تحديد الدستور الأخير في معاملة الكافرين ومعاملة المنافقين، حيث حدد الله فيها آخر نظامٍ يتعامل به المؤمنون مع الكافرين والمنافقين، لأن الله تعالى شرع ذلك كغيره من الأحكام على مراحل.

كان الإسلام يعذر المنافقين في البداية ويؤخر تعذيبهم ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهم والإعراض عنهم وعدم المواجهة بالقتال، ليترك لهم فرصة ليتوبوا ويرجعوا ويفهموا ويعقلوا، فلما لم يفقهوا ذلك كانت آخر كلمة الأمر بالجهاد، ولكن لا يُقاتَل كل كافر، إنما يُقاتَل من يستحق القتال مثل الكافر الذي يطغى بالصد عن سبيل الله.

تحدثت السورة عن أصناف الناس الموجودين في مجتمع المدينة فمنهم مؤمنون مخلصون، ومنهم منافقون يندسُّون في وسط المؤمنين، منهم أعرابٌ يسكنون الصحراء فيهم غلظةٌ وفظاظةٌ، منهم من آمن وكان إيمانه قويًّا، ومنهم من نافق وكفر فكانوا أشد كفراً ونفاقًا، لما فيهم من القسوة الفطرية بحكم طبيعة حياتهم، ومنهم قومٌ لا تعرف لهم هويّة يتقلبون كالحرباء لا يعرف لهم لون ولا هويّة ولا شخصيّة، فهم مرجون لأمر الله، منهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئًا تراه يفعل هذا ويفعل هذا.

لما كان المجتمع يموج بأصناف الناس، حدد الله تعالى معاملة كل صنف ليعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده إلى يوم القيامة، كل له معاملة، وهكذا يعطي الإسلام لكل ذي حقٍ حقّه، ويعامل كل إنسانٍ بقدره، ليست فيه عشوائية ولا همجيّة.

في هذه السورة أوقع الله تعالى اللوم على المؤمنين الذين يتخاذلون عن الجهاد في سبيل الله، وعلمهم أن هذا الأمر وهذا السلوك إنما هو سلوك المنافقين الجبناء، كما علمهم أن النصر من عند الله فلا حاجة له سبحانه وتعالى فيكم ولا في خروجكم، ولو أراد الله نصر دينه بدونكم لنصره، ولكن يريد أن يتخذ منكم شهداء فيفتح لكم باب الشهادة، ويريد أن يعز منكم من يعز فينصره على رؤوس الأشهاد وعلى رايات الناس، وهكذا لله حكمة في تشريع الجهاد.

كما ذكرت أواخر السورة توبة الله تعالى على النبي والذين آمنوا، والتوبة على التائب زيادة الرضا عليه، وزيادة الرحمة له، وتاب الله على المؤمنين لأن بعضهم كان قد تخاذل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصةً توبة الله تعالى على الثلاثة الذين تخلفوا عنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.

ختمت السورة بمنَّة الله تعالى على العالمين ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي بشرٌ مثلكم منكم يعرفكم وتعرفونه ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ صلى الله عليه وسلم، جزى الله نبينا على ما قدم لنا كل خير وضاعف له الجزاء والمثوبة.

دروس مستفادة من سورة التوبة

دروس مستفادة

تبدأ الآيات الأولى بشدة (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) والملاحظ أن الشدة في سورة التوبة إنما هي رحمة من الله تعالى لأنها تحث على التوبة وتفتح بابها حتى لأشد الناس كفراً ونفاقاً ومعصية، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بعباده مصداقاً لقوله تعالى في الحديث القدسي (لو خلقتهم لرحمتهم). وقد وردت كلمة (رحيم) تسع مرات في السورة وكلمة (غفور) خمس مرات.

تنتقل السورة إلى توجيه الخطاب للمؤمنين إلى أن هناك ثمانية أشياء حلال في أصلها (آباؤكم، أبناؤكم، إخوانكم، أزواجكم، عشيرتكم، أموال، تجارة، مساكن) ولكن إذا أحببناها أكثر من رسول الله والجهاد في سبيل الله صرنا فاسقين.

أكّدت سورة التوبة على أمر المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام في الأوامر والأحكام التشريعية المفروضة عليهم وفي أدائهم واجباتهم كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها،  فقد قال -تعالى-: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

تتضمن السورة تحريضًا للمؤمنين على الجهاد، وهذا التحريض واجب من أول ما بدأ الجهاد إلى يومنا هذا وإلى آخر الدنيا مع تحذير المتخاذلين عن نصرة الدين (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ).

ومن الدروس المستفادة من سورة التوبة بيان أنّ المسلمين يؤمنون إيمانًا كاملًا بقضاء الله وقدره ويوقنون بأنّ كلّ ما قد يصيبهم هو بعلم الله وتقديره وبأنّه خيرٌ لهم وأنّه مولاهم وعليه يتوكلون، فقد قال -تعالى-: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، والتأكيد على وحدوية الله -جلّ وعلا- وبأنّ من قال بأنّ له ولدٌ أو جعل معه إلهًا آخر كاليهود والنصارى فإنّ الله مقاتلهم وأنّهم الأخسرون.

اقرأ أيضًا:

أفكار ومعاني سورة التوبة

من هم الثلاثة الذين خلفوا في سورة التوبة

المصادر:

مصدر 1

مصدر 2

مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *