سورة الهمزة من السّور المكيّة التي نزلت على النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وهي من سور المفصّل، آياتها تسع آيات، وتقع في الجزء الثّلاثين السّورة الرّابعة بعد المئة، نزلت بعد سورة القيامة، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الهمزة ومقاصدها وما تحتوي عليه من لمسات بيانية.
فضل سورة الهمزة
لم تذكر الأحاديث والسير الواردة أي حديث يدلُّ على فضل سورة الهمزة دون غيرها من سور القرآن الكريم، ولكنَّ مقاصد سورة الهمزة تشرح وتبيِّن فضل هذه السورة المباركة، فالأحكام التي شرَّعتها والمنهيات التي نهتْ عنها تشير إلى فضل هذه السورة العظيمة بالأصابع العشر، فسورة الهمزة تنهى عن الهمز واللمز والسخرية من الناس واحتقارهم.
هذا الأمر الإلهي العظيم الذي حملته هذه السورة يجعل لها فضلًا عظيمًا كبيرًا، وهذا بصرف النظر عن فضل تلاوتها، فهي سورة من سور القرآن الكريم والقرآن كلُّه متعبَّدٌ بتلاوته، وللإنسان في كلِّ حرف يقرؤه حسنة وأجر، روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ ولامٌ حرف”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
تجدر الإشارة في هذا المقال إلى بعض الأحاديث المتداولة بين الناس حول فضل سورة الهمزة، وهذه الأحاديث موضوعة ويجب الانتباه إلى ذلك لعدم الوقوع في الابتداع، ومن أبرز هذه الأحاديث “من قرأ سورة الهمزة كان له من الأجر بعدد من استهزأ بمحمدٍ وأصحابه، وإن قرئها على العين تعافى بإذن الله تعالى”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 324 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
كما أن هناك بعض الآثار المنسوبة للتابعين وتدل على أن من يقرأ هذه السورة يحميه الله تعالى من الحسد ومن شر العين كما أنها تنفي عن قارئها الفقر وتجلب له رزقًا وفيرًا، ولكن كلها مجرد اجتهادات لترغيب الناس في التلاوة بينما لم يرد أي حديث مرفوع إلى النبي يُثبت ذلك.
مقاصد سورة الهمزة
مقاصد سورة الهمزة واضحة كوضوح آياتها، حيث يقول الله تعالى فيها: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}، الويل هو الوعيد بالعقاب الشديد، وقيل أيضًا الويل واد في جهنم.
وقال أهل العلم في تفسير الهمز واللمز: “الهَمْز بالفعل؛ كأنْ يلوي وجهَه أو يُشير بيده ونحو ذلك؛ لعَيْب شخصٍ أو تنقصه، واللَّمْز باللسان، وهو من الغِيبة المحرَّمة”، أمَّا الذي جمع ماله فهذه صفة البخل وعدم البذل وهذه الآية وصف للهمَّاز اللمَّاز المقصود في الآية السابقة، وجمع المال ومنعه من الصفات القبيحة التي يمكن أن يتصف بها الإنسان، فيظنُّ أنَّ المال سيخلده وسيعيش معه أبدَ الدَّهر.
أمَّا قوله تعالى: {لَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}، معناه أنه سيلقى ويقذف في النار يوم الحساب، والحطمة هي نار الموقدة، وفي إضافة النار إلى الله تعالى في قوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}، قال أبو السعود: “وفي إضافتها إليه -سبحانه- ووصفِها بالإيقاد -أي: المشتعلة- مِن تهويل أمرها ما لا مزيدَ عليه”.
وفي قوله تعالى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}. قال ابن جرير: “أي التي يطَّلع ألمُها ووَهَجُها على القلوب”، وعليهم مؤصدة أي مغلقة لا تفتح إلَّا بأمر الله، قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}: “المعنى أنَّه يؤكِّد يأسَهم من الخروج، وتيقنَهم بحبس الأبد، فتؤصَد عليهم الأبواب، وتُمدَّد على العمد؛ استيثاقًا في استيثاق”، والله تعالى أعلم.
تأملات في سورة الهمزة
من المهم أن نُشير إلى بعض اللّمسات البيانيّة والتأملات في سورة الهمزة، والبدء بالتّعرّف على سبب استعمال الباري سبحانه لكلمة “هُمّزة” على وزن “فُعَلة” في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}، بينما في سورة القلم استعمل كلمة “هَمّاز” على وزن “فعّال” في قوله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ}، وكلاهما للمبالغة.
السّبب أنّ صيغة المبالغة “فعّال” تدلّ على الصّنعة والحرفة، مثل: “نجّار” لمن يحترف النّجارة، و “رسّام” لمن يحترف الرّسم وهكذا، وكلمة “كذّاب” تطلق على من أصبح الكذب ديدنه وكأنّه أصبح حرفته، إذًا فصيغة “فعّال” من صيغ المبالغة، التي تفيد الحرفة والمزاولة والمداومة، أمّا “هُمَزة” فهذه من صيغ المبالغة بالتّاء، وصيغ المبالغة بالتّاء أكثر من نوع واحد، ويمكن الحديث عنها في نوعين، هما:
أولًا: ما كان أصله غ غير مبالغة، ثمّ تمّت مبالغته بالتّاء، مثل: “الرّاوي” فعند مبالغته يقال: “راوية”.
ثانيًا: ما كان أصله صيغة مبالغة، ثمّ لتأكيد مبالغته وزيادتها تضاف إليه التّاء، مثل: “همزة” فأصلها “هُمَز” وهي من صيغ المبالغة، كـ: “فُسَق، حُطَم، لُكَع” فلزيادة المبالغة تُلحق بها التّاء، ومثلها “القيامة والطّامّة والصّاخة.
فيعدّ هذا التّأنيث للمبالغة، إذًا صيغة المبالغة “هُمَزة” جيء بها في هذا المكان لأنّها تدلّ على النّهاية، نهاية وعاقبة من يتعرّضون للعباد بالإساءة، بينما “همّاز” تدلّ على المزاولة والمداومة.
اقرأ أيضًا:
المصادر: