فضل سورة التكاثر
تعدُّ سورة التكاثر من السور المكية، حيث نزلَت على النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وهي في الجزءِ الثلاثين وفي الحزب الستِّينَ، رقمُها من حيثُ الترتيب في المصحفِ الشَّريف 102، عددُ آياتها 8 آياتٍ، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة التكاثر ومضامينها بالإضافة إلى إبراز ما تشتمل عليه من لمسات بيانية.
فضل سورة التكاثر
سورة التكاثر من السور التي ذكرها الصحابة -رضي الله عنهم- في كثيرٍ من الأحاديث النبوية الشريفة، وفيما يأتي بعضٌ من هذه الأحاديث التي إذا دلّت فإنّها تدل على أهمية هذه السورة وعظمتها:
”ألا يستطيعُ أحدُكم أنْ يقرأَ ألْفَ آيةٍ كلَّ يومٍ؟ قالُوا: ومن يستطيعُ ذلك؟ قال: أما يستطيعُ أحدُكم أنْ يقرأَ “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ”. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/321 | خلاصة حكم المحدث : رجال إسناده ثقات ))
ومما يدل على استحباب قراءة هذه السورة: ” دُفِعتُ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَقرَأُ هذه السُّورةَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.. فذكَرَ مِثلَهُ سَواءً [أي: حديثَ: أنَّ رجُلًا انتهى إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقولُ -وقال وكيعٌ مرَّةً: إنه انتهى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقرأُ-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1، 2] قال: يقولُ ابنُ آدَمَ: مالي مالي، وهل لك مِن مالِك إلَّا ما تصَدَّقْتَ فأمضَيتَ، أو لَبِسْتَ فأبلَيتَ، أو أكَلْتَ فأفنَيتَ]. (( الراوي : عبدالله بن الشخير | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 16324 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم ))
رُوي في فضل سورة التكاثر أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بها، كما ورد في الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: “كان رسُولُ الله يوتِرُ بثلاثٍ، يقرُأ في الأولى “أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ” و “إنَّا أَنزَلنَاهُ” و “إِذا زلزِلَتِ”، ويقرأُ في الثَّانية “العَصْرِ” و “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ” و “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ”، وفي الثَّالثةِ “قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ” و “تَبَّتْ” و “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الطبراني | المصدر : المعجم الأوسط، الصفحة أو الرقم: 2/58| خلاصة حكم المحدث : تفرد به يعقوب عن يزيد ويونس بن بكير عن يونس بن أبي إسحاق ))
وكذلك من الأفضال حولَ هذه السورة بأنّ قراءتها تكون سببًا في أداء شُكر النِّعم التي أنعم الله بها على العبد قارئُ “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ” يُدعَى في الملَكوتِ مؤدِّيَ الشُّكرِ” (( الراوي : أسماء بنت عميس | المحدث : الألباني | المصدر : ضعيف الجامع، الصفحة أو الرقم: 4038 | خلاصة حكم المحدث : ضعيف ))
ورد عن أنس بن مالك أن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ وادِيًا مِن ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يَكونَ له وادِيانِ، ولَنْ يَمْلَأَ فاهُ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ. وقالَ لنا أبو الوَلِيدِ: حَدَّثَنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن ثابِتٍ، عن أنَسٍ، عن أُبَيٍّ، قالَ: كُنَّا نَرَى هذا مِنَ القُرْآنِ، حتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ} [التكاثر: 1]. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6439 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
مضامين سورة التكاثر
بدأتْ سورةُ التكاثرِ بالحديث بأسلوبٍ قاسٍ من الله تعالى يخبرُ به عبادَه أنَّهم انشغلوا بحبِّ الدنيا وكثرة المغريات فيها، حتَّى جاءهمُ الموت بغتةً وهم في غفلتِهم لاهونَ، قال تعالى: “ألهاكُمُ التَّكاثرُ * حتَّى زرتمُ المقابرَ”.
ثمَّ أعلنَت الآيات عن وعيدٍ من الله تعالى للناس أجمعينَ بأنَّهم سيعلمون الحقيقةَ علمًا يقينيًّا برؤيةِ نار جهنَّمَ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ، وفي تلك الساعةِ سيسألُ الإنسانُ عن النعيم الذي أنعمَه الله تعالى عليه وكيفَ قابلَ هذه النِّعم وأينَ أنفقَها، قال تعالى: “كلَّا لوْ تعلَمُونَ علْمَ اليَقِينِ * لتَرَوُنَّ الجحِيمَ * ثمَّ لَتروُنَّهَا عَينَ اليقِينِ * ثمَّ لَتُسألُنَّ يومَئِذٍ عنِ النعِيمِ”.
وفي حديث محمود بن لبيد -رضي الله عنه-: جاء في نصّ الحديث الشريف أنّه قال: “لَمَّا نزَلَتْ: ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ فقَرَأها حتى بَلَغَ: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، قالوا: يا رسولَ اللهِ، عن أيِّ نَعيمٍ نُسألُ؟ وإنَّما هُما الأسْوَدانِ الماءُ والتَّمرُ، وسُيوفُنا على رِقابِنا، والعَدوُّ حاضِرٌ؛ فعن أيِّ نَعيمٍ نُسألُ؟ قال: إنَّ ذلك سيَكونُ”. (( الراوي : محمود بن لبيد أو محمود بن ربيع | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 23640 | خلاصة حكم المحدث : حسن على اختلاف في إسناده ))
تأملات في سورة التكاثر
اختصّ بعض العلماء بتوضيح وتفسير وبيان كلّ كلمةٍ والمغزى من وجودها، ومن بينهم الدكتور فاضل السامرائي الذي بيّن بعضًا من اللمسات البيانية لسور القرآن الكريم ومن بينها سورة التكاثر، فقد ذكر بعضًا مما ورد من تأملات في سورة التكاثر فيما جاء من لمساتٍ بيانيةٍ في قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}، فمن الملاحظ أنّ الله تعالى ذكر مرّة قوله “علم اليقين” ثم قال “عين اليقين”، ومن هنا ينطلق التساؤل عن الفرق بين الحالتين.
وقد أجاب الدكتور فاضل عن هذا التساؤل في حديثه عمّا ورد من تأملات في سورة التكاثر بقوله: يجب قبل التعرّف على الفرق بين علم اليقين وعين اليقين معرفة معنى اليقين، واليقين هو الشيء الحقّ الثابت الذي لا يتغيّر، وإنّ علم اليقين هو أن يتيقن المرء من الشيء وأنّ يسلّم به، أمّا عين اليقين هو أن يرى الشيء بعينه ويلمسه بيده ويسلّم به تسليمًا كاملًا بعد رؤيته والتيقّن من وجوده.
ومن الملاحظ أيضًا وجود لفظ “حقّ اليقين” في القرآن الكريم، وهو التيقين من الشيء وتصديقه بعد وقوع، وهو أعلى مراتب اليقين ويليه عين اليقين ثمّ علم اليقين، وقد ضرب السامرائي مثلًا على ذلك بقوله: “علم الناس بالموت هذا علم اليقين، فإذا رأى ملائكة الموت وهو في النزع هذا عين اليقين، فإذا ذاقه صار حق اليقين”، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: