فضل سورة التكوير
سورة التكوير من السُّور القرآنية التي ابتدأت بالأسلوب الشرطيّ “إذا” وهي من سور المفصَّل المكيّة بإجماع أهل التفسير فهي من أوائل السور التي نزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل الهجرة بعد سورة الفاتحة وقبل سورة الأعلى، ويستعرض هذا المقال فضل سورة التكوير ومحاورها بالإضافة إلى توضيح سبب نزولها.
فضل سورة التكوير
هناك العديد من الأحاديث التي تدل على فضل سورة التكوير:
قالوا يا رسولَ اللَّهِ قد شِبتَ قالَ شيَّبتني هودٌ وأخواتُها وفي روايةٍ شيَّبتني هودٌ والواقعةُ والمرسَلاتُ و{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}. (( الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 5/74 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
عن عَبدِ اللهِ أنَّ رجُلًا أتاه فقال: قرَأتُ المُفَصَّلَ في رَكعةٍ. فقال: بل هَذَذتَ كهَذِّ الشِّعرِ، أو كنَثرِ الدَّقَلِ، لكِنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يفعَلْ كما فعَلتَ، كانَ يَقرأُ النَّظائرَ: الرَّحَمنَ، والنَّجمَ في رَكعةٍ. قال: فذكَرَ أبو إسحاقَ عشْرَ رَكَعاتٍ بعشرينَ سورةً على تأليفِ عبدِ اللهِ، آخِرُهنَّ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ…} [سورة التكوير] والدُّخانَ. (( الراوي : علقمة والأسود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 6/30 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
قال عمرو بن حريث: صَلَّيْتُ خَلْفَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الفَجْرَ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ {فلا أُقْسِمُ بالخُنَّسِ (15) الجَوَارِ الكُنَّسِ} [التكوير: 15، 16] وكانَ لا يَحْنِي رَجُلٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حتَّى يَسْتَتِمَّ سَاجِدًا. (( الراوي : عمرو بن حريث المخزومي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 475 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
كأنِّي أسمَعُ صوتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرَأُ في صلاةِ الغَداةِ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15، 16]. (( الراوي : عمرو بن حريث المخزومي | المحدث : العقيلي | المصدر : الضعفاء الكبير، الصفحة أو الرقم: 1/129 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
أما ما يذكر من فضل هذه السورة وأنها تكون سببًا في ستر العبد في دنياه، فهو من الموضوعات مثل حديث: “مَنْ قرأ سورةَ إذا الشمسُ كورتْ أعاذَه اللهُ أن يفضحَه حين تنشرَ صحيفتَه”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 312 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
محاور سورة التكوير
هناك محاور تدور حولها سورة التكوير، ولكن علماء التفسير قد لخصوها في محورين أساسيين كالتالي، فالنصف الأول من السورة وهو من بداية السورة حتى منتصفها وبالأحرى عند الآية 14 يوضع العديد من علامات الساعة وذلك باستخدام أسلوب الشرط كما أوضحنا في السابق.
تسرد هذه الآيات وبشكل سلس وسهل العلامات المنتظر حدوثها عن قيام الساعة حيث سيختفي ضوء الشمس كما سوف تتساقط النجوم ويختفي بريقها اللامع الذي نعتاد عليه، هذا بالإضافة إلى ستنطلق الأنعام التي تحتاج إلى راعي يراعها بغير راعي كما هو متعارف عليه.
وأيضا سوف تتجمع وحوش الرض مع بعضها وسوف يتم سؤال البنات التي تم وأدها في الصغر عن الذنب التي إقترفته ليقوم أبوها بهذا الفعل الشنيع، كما سوف تنشر الصحف التي تحتوي على كل صغيرة وكبيرة من أفعال المرء الذي قام بها في حياته.
هذا هو المحور الأول الذي تتحدث عنه السورة الكريمة أما بالإضافة إلى المحور الثاني وهو من الآية 15 وحتى نهاية السورة فإنه يتكلم بوضوح شديد وبإيجاز شديد أيضا عن حقيقة الرسالة التي أرسل بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يقسم الله تبارك وتعالى في البداية أن هذا كله الذي يقوم به الرسول هو قول رسول كريم وليس بقول شاعر أو ساحر كما اتهمه كفار قريش حينما سمعوا عن مايدعوهم إليه، وأن كل مايقوم به الرسول الكريم يحظى بدعم وتأييد من الله تبارك وتعالى.
فأي شرف أو تكريم للرسالة التي يؤديها الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من أنها تحظى بالدعم من ملك السماوات والأرضيين.
بالنسبة إلى الرؤية الواردة في سورة التكوير وما إذا كانت هذه الرؤية من النبي لجبريل أم لله تعالى، فقد ورد عن السيدة عائشة: ثَلاثٌ مَن تَكَلَّمَ بواحِدَةٍ منهنَّ فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ، قُلتُ: ما هُنَّ؟ قالَتْ: مَن زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ أعْظَمَ علَى اللهِ الفِرْيَةَ، قالَ: وكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلتُ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أنْظِرِينِي، ولا تُعْجِلِينِي، ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلقَدْ رَآهُ بالأُفُقِ المُبِينِ} [التكوير: 23]؟ فقالَتْ: أنا أوَّلُ هذِه الأُمَّةِ سَأَلَ عن ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنَّما هو جِبْرِيلُ، لَمْ أرَهُ علَى صُورَتِهِ الَّتي خُلِقَ عليها غيرَ هاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بيْنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 177 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
ومن يتأمل في سورة التكوير فسوف يجدها تعج وتمتلئ بالعديد والعديد من المعاني، فهذا كلام الله الذي مهما تقدمنا وتطورنا فلن نستطيع أن نأتي بمثله، ولكننا نتدبر فيه لكي يكون لنا حظ أو نصيب منه ومن تعاليمه الحسنة والقيمة، فكلما تدبرنا في القرآن كلما وجدنا معاني جديدة تفتح لنا الطريق.
سبب نزول سورة التكوير
أسباب النزول في سورة الكتاب وآياته متنوَّعة ومختلفة، فالقرآن الكريم نزلَ على دفعات طيلة ثلاث وعشرين سنة كاملة، وخلال هذه السنوات كان القرآن ينزل وفقًا للأحداث التي كانت تجري مع الصحابة أو مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
لذلك اختلفت أوقات النزول وأسباب النزول أيضًا، وسورة التكوير بشكل خاص جاء في سبب نزولها قول لسلمان بن موسى الذي قال: “لمَّا أنزلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ}، قال: ذلك إلينا إنْ شئنا استقمْنَا وإنْ لم نشأْ لم نستقمْ، فأنزل الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: