لقد جعل الله هذه الحياة الدنيا كثيرة التقلب، لا تستقيم على حال، ولا تصفو لمخلوق من الكدر، فالمتأمل في هذه الدنيا بعين البصيرة، يجد فيها الخير والشر، الصلاح والفساد، السرور والحزن، ويجد الأمل واليأس، وهنا يأتي دور الأمل والتفاؤل كشعاع يضئ للمؤمن دروب الظلام، ويبعث في النفس البشرية الجد والصبر، والسعي نحو الفوز بسعادة الدارين، ونستعرض في هذا المقال مظاهر التفاؤل في القرآن الكريم.
التفاؤل في القرآن
إن التفاؤل هو شعور داخلي بالرضا، وثقة تتحول إلى راحة نفسية لدى ذلك الإنسان الذي علق أمله بالله ولم يقنط، والتفاؤل أيضا هو النظرة الإيجابية عندما توصد الأبواب، وهو طوق النجاة عند الملمات ، فالمسلم المتفائل هو إنسان سعيد في دنياه، متوكل على مولاه، تجده طموح ومبادر لكل جميل.
والقرآن يحدثنا عن التفاؤل في ثنايا ســورة آل عمران: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }، وهذا هو النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول لصاحبه الصديق :{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } ، آيات بيّنات ملؤها التفاؤل والثقة في وعد الله ونصره.
ومن صور التفاؤل في حياة الأنبياء، ما قصه الله تبارك وتعالى في التنزيل عن يعقوب عليه السلام الذي ظل يرسل أبناءه يبحثون عن يوسف وأخيه دون يأس، {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
وموسى عليه السلام الذي خرج فقيرا مطاردا يناجي ربه فيقول {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، فتأتيه الإجابة، وتتفتح له الأبواب، ويكلل بالنبوة، ويخص بأنه كليم الله سبحانه وتعالى، وهذا أيوب عليه السلام، أقعده المرض، وانقطعت عنه أسباب الشفاء من البشر، يرفع يديه ويتضرع لله {إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ }، فجاء الجواب وجاء الفرج المتتابع من رب الكون.
كلمات التفاؤل في القرآن
- “عسى، ولعل”: فهي تبعث في النفس التفاؤلَ والاطمئنان، وتزرع فيها اﻷمل في حياة أفضل. وكلمة “عسى” ذُكِرت في قوله تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾. وكلمة: “لعل” ذُكِرت في قوله تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾.
- قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾ هذه خمس صفات. ومن يملك هذه الصفات الكاملة، فهو جديرٌ بأن ندعوه، ونخاطبه بقولنا: ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾. وهي كلمةٌ غايةٌ في البشارة والتفاؤل، وتحقيق المطلوب؛ لأن مَن بيده الخيرُ هو على كل شيء قدير.
- أعظمُ شيء تفوَّق فيه المسلمون على غيرهم هو: اﻹيمان واليقين، ولهذا منَّ الله به على المسلمين عندما قال: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
- قوله تعالى: ﴿ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾: يا من يرتعُ في مهاوي الظلم، استعدَّ لتنالَ جزاءك في يوم الفصل؛ فهناك الموعد، ألم تسمَعْ قول الحق سبحانه: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴾، ويوم الفصل هذا بلسمٌ لجراح كلِّ مظلوم في اﻷرض!
- من طرق الفلاح: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾، هذه أربعُ صفات، إذا اتَّصف بها العبد أفلح، ألم يَقُل تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
- اﻵيات العشر اﻷولى من سورة العنكبوت تتحدَّث عن الفتن، وأن الحكمةَ منها تمييز الصادق من الكاذب، قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾، وذِكرُها في هذه السورة إشارة واضحة إلى أنها واهيةٌ مهما بدَتْ للناس أنها محبوكةٌ ومعقَّدة، وأن القائمين عليها ضعفاء وإن ظهروا بمظهرِ القوة، وأن مثلَهم كمثل بيت العنكبوت؛ قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ وكأن الحقَّ سبحانه يعلِّمنا الثَّبات على الحقِّ أمام أعاصير الفتن مهما اشتدَّتْ، وأنها إلى زوال مهما بدَتْ أنها طويلة.
- من أهمِّ المبادئ في التعامل مع كتاب الله تعالى: التعظيم الذي يليقُ بقدسيَّته، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾، وقد عدَّ اﻹمام الدهلوي تعظيمَ القرآن من أهم المقاصد الكلية للتشريعِ.
- قال تعالى: ﴿ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُم ﴾ جعل الله كلَّ فرد من الناس مختلفًا عن اﻵخر في صورته ومواهبه، وزمانه ومكانه، فهو نسخةٌ جديدة، بنكهةٍ خاصة، وطعم متميز، وتزداد حسنًا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾، حبُّ الله سبحانه شفاء من العلل واﻷوهام، وسلوةٌ اﻷحزان، لا سيما في هذه اﻷزمان، فيكفيك أنك تشاهد في النهار آثارَه وفي الليل تشهد بين يديه أنوارَه.
اقرأ أيضًا:
المصادر: