اعتنى المُسلمون مُنذ بداية فجر الإسلام الأوّل بحِفظ ما يسمعونه من رسولِ الله – صلى الله عليهِ وسلّم – ومن هنا ظهر مصطلح أهل الحديث.
أهل الحديث
لمُصطلح أهل الحديث معانٍ كثيرة، ولعلّ المعنى الأوّل يُطلق على الذينَ اشتغلوا بحديث رسولِ الله – صلى الله عليهِ وسلّم -، أمّا الصِنفُ الآخر فهُم من سارَوا على منهجِ النبي – عليهِ الصلاةُ والسلام – من غير ابتداعٍ في الدين أو زيادةٍ عليه، وهؤلاء هُم أهلٌ للسنّة والحديث، سواء كانوا ممّن عُرفوا بتدوين الحديث من خاصّة أهل العِلم، أو من عامّة المُسلمين الذين ينتهجون أثرَ النبي -عليهِ الصلاةُ والسلام-.
نقولُ بأنَّ عامّة المُسلمين ممن هُم على هديِ النبي – عليهِ الصلاةُ والسلام – هُم أهلٌ للحديث، أي إنّ هذا تخصيصٌ يُراد به التزامهُم بالآثار النبوية، واقتفاءهم لنهج النبيّ الكريم – عليهِ الصلاةُ والسلام- .
كذلك يَقع على من هم على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وَصف أهل الحديث دونَ غيره من الأوصاف؛ لأنَّه في زماننا هذا وفيما سبقهُ ظهرتْ جماعاتٌ تُؤمن فقط بما جاءَ بالقُرآن الكريم ويُنكرونَ السُنّةَ النبوية جُملةً وتفصيلاً، وهذا ليسَ من الدينِ في شيء؛ فالإسلام جِسمٌ واحد لا ينفكُ عن بعضه ولا ينفصل.
فما جاءَ بهِ النبي – عليهِ الصلاةُ والسلام – هوَ حقّ؛ فهوَ صادقٌ ومُسددٌ بالوحي الأمين، وبالتالي فإنَّ السُنّة النبوية هيَ مصدرٌ رئيسٌ من مصادر التشريع الإسلامي، وعليهِ فإنَّ أهلَ الحديث هُم من يؤمنون بما جاءَ بهِ الدين كاملاً مُكتملاً.
فضل أهل الحديث
أهل الحديث ظاهرون على الحق
أخرج البخاري عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال ناس من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة”.
قال علي بن المديني عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم”: هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم. وروى الحاكم بإسناده عن أحمد بن حنبل وقد سُئل عن معنى هذا الحديث، فقال: “إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم”.
أهل الحديث من أولى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم صلاة عليّ”.
وهذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخًا وذكرًا.
وقال أحمد بن يونس: سمعت سفيان الثوري يقول: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يصلى عليه ما دام في الكتاب.
أهل الحديث أُمناء لحفظهم السنن وتمييزهم لها
قال عبدالله بن داود الخريبي: “سمعت من أئمتنا ومن فوقنا: أن أصحاب الحديث وحملة العلم هم أمناء الله على دينه وحفاظ سنة نبيه ما علموا، وعملوا”.
أهل الحديث هم المدافعون عن الدين، وحرَّاسُه
قال أبو بكر بن عياش: “فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولًا وفعلًا، وحرسوا سنته حفظًا ونقلًا، حتى ثبتوا بذلك أصلها وكانوا أحق بها وأهلها.
يقول صالح بن حاتم بن وردان: “سمعت يزيد بن زريع يقول: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد”.
إذا اجتمع أهل الحديث على حديث، فهو حجة على الناس: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في “مجموع الفتاوي: 1 /9”: “إذا اجتمع أهل الفقه على القول بحكم، لم يكن إلا حقًّا، وإذا اجتمع أهل الحديث على تصحيح حديث، لم يكن إلا صدقًا”.
قال صدقة: “كنا عند حفص بن غياث، فاجتمع عليه الناس، فقال حفص: لولا أن الله جعل الحرص في قلوب هؤلاء – يعني طلبة العلم – لدُرِس هذا الشأن”، وقال عبدالحميد بن حميد: “سمعت أبا داود يقول: لولا هذه العصابة لاندرس الإسلام؛ يعني أصحاب الحديث الذين يكتبون الآثار”. وقال شعيب بن حرب: “كنت عند عبدالعزيز بن أبي رواد، فنظر إلى شاب قد أقبل نحوه للحديث، فقال: أما ترى ما في يده قناديل الإسلام؟ هذه قناديل الإيمان، وأعلام المتقين يعني قارورة الحبر”.
قال الوليد بن مسلم: “شيَّعَنا الأوزاعي وقت انصرافنا من عنده، فأبعد في تشييعنا حتى مشى معنا فرسخين أو ثلاثة، فقلنا له: أيها الشيخ، يصعب عليك المشي على كبر السن؟ قال: امشوا واسكتوا لو علمتُ أن لله طبقةً أو قومًا يباهى الله بهم أو أفضل منكم لمشيتُ معهم وشيعتُهم، ولكنكم أفضل الناس”.
أصحاب الحديث آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر: فعن سعيد بن عباس قال: “سئل إبراهيم بن موسى: مَن الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ قال: نحن هم، نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا كذا”.
أهل الحديث حازوا الشرف والعز: فقد قال أبو صالح علي بن الحسن بن إسحاق: سمعت سهل بن عبدالله الزاهد يقول: “من أراد الدنيا والآخرة، فليكتب الحديث، فإنه فيه منفعة الدنيا والآخرة”، وعن زيد بن أخرم قال: سمعت عبدالله بن داود قال في الحديث: “من أراد به الدنيا فدنيا، ومن أراد به الآخرة فآخرة”.
وعن عبدالله بن داود يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: “سماع الحديث عز لمن أراد به الدنيا، ورشاد لمن أراد به الآخرة”، وفي لفظ آخر: “إن هذا الحديث عز فمن أراد به الدنيا وجدها، ومن أراد به الأخرة وجدها”.
اقرأ أيضًا:
المصادر: