علم الحديث هو عبارة عن جميع القواعد والمباحث الحديثة التي تتعلّق بالإسناد والمتن، بالإضافة للراوي والمروي التي بناءً عليها تقبل أو تردّ الرواية، كما يُمكن تعريفه بأنّه العلم الذي يدرس نقل الحديث من جيل إلى جيل بطريقة مضبوطة حفظاً وكتابة، ونستعرض في هذا المقال نشأة علم الحديث والمراحل التي مر بها.
نشأة علم الحديث
لقد كان الحديث في زمن النّبي صلّى الله عليه وسلّم سهلاً يسيراً، يتعلّمه الصّحابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المرجع والمنبع الأصيل للحديث، وكان تعلُّمه سهلاً، للسهولة في أسلوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكلام والإفهام والتعليم والإعادة منه صلّى الله عليه وسلَّم ليتمكن السَّامع من الحفظ والإدراك.
وكان تركيز النّبي عليه السّلام على كتابة القرآن الكريم دون الحديث مع كتبة الوحي، بل إنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسمح للصحابة في كتابة الحديث خوفاً على اختلاطه بالقرآن الكريم، إلى أن كثر حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصبح من الصَّعب حفظه في الصُّدور فقط، فسمح للصّحابة وقيل بعضهم مِمّن أمِن النّبي عليه السّلام عليهم من عدم الاختلاط عندهم.
كان علم الحديث مجرَّداً ممّا جاء في القرون اللاحقة من مصطلحات وعلوم تقوم على التحقُّق من صحّته، ولم يكن هنالك تدليس ووضع في الحديث والرسول بين الصّحابة يعلّمهم ويفقِّههم، ويتعلمون ما يصدر من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومالم يصدر، فكان علم الحديث ليس له أولوية التوجّه والتأليف والكتابة، كما كان في العصور اللاحقة في عدم وجود النّبي صلّى الله عليه وسلّم، واكتمال نزول الوحي والقرآن.
مراحل تطور علم الحديث
أولاً: عصر الصَّحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين حتى القرن الثالث
قد كان علم الحديث في االفترة هذه المحصورة حتى القرن الثالث الهجريّ مقتصرة على بعض صحفٍ كانت من الصَّحابة ومن التابعين، وهي جمعٌ لأحاديث من الصّحابة سمعوها من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكتبوها خوفاً من ضياعها.
وظلَّ الحرص على عدم اختلاط الحديث بالقرآن بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم مع الإبقاء على ضرورة تعلُّم هذا العلم ونقله من الصّحابة إلى من جاء بعدهم، مع ضرورة التثبت في نقل الحديث كما جاء من النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
وظهرت فيه عملية نقل الحديث وخاصّة بين المكثرين لرواية الحديث النّبوي الشريف من الصّحابة ونقلهم للحديث للتابعين ممّن أخذوا الحديث لتابعيهم أيضاً، وهي فترة قد تكون خالية من التأليف والتطوُّر في مصطلح علم الحديث، وكانت الجهود في نقل الحديث وحفظه أكثر من كتابته.
ثانيا: عصر التأليف
من القرن الثالث الهجري حتى نصف القرن الرابع
وهو عصر تأليف المسانيد والرحلة في طلب الحديث والتحقق منه، واختباره، والكلام في أحوال الرِّجال والجرح والتعديل، فخرجت المصنّفات الكبيرة كالجوامع مثل صحيح البخاريّ ومسلم، والسُّنن كسُنن النسائي والترمذي والموطأ والمسند، وشهدت هذه المرحلة إقبالاً كبيراً على تعلُّم الحديث والتأليف فيه.
ثالثاً: عصر المؤلفات الجامعة لعلوم الحديث
من القرن الرابع إلى السابع الهجري
وفي هذه المرحلة لم يأتِ المصنّفون بشي جديد بل تابعوا ما جاء به أسلافهم، وكان الاهتمام في هذه الفترة بعلوم الحديث عامَّة فظهرت المؤلفات في علوم الحديث كالمحدّث الفاصل بين الرَّاوي والواعي للرامهرمزي، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، وغيرها من الكتب، وكان الحديث في هذا العصر أشبه بالفن في التأليف والجمع.
رابعاً: عصر اكتمال علم الحديث
من القرن السابع للعاشر الهجري
وفي هذه الفترة اكتمل علم الحديث بمصطلحاته وعلومه، وظهر فيها علماء ألمُّوا بكتب السابقين من العلماء من أصحاب المصنّفات،ومن أشهر علماء هذا العصر ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث، والنووي في كتابه الإرشاد.
خامساً: عصر توقف الاجتهاد
من القرن العاشر إلى مطلع القرن الحالي
في هذه المرحلة وبسبب توقُّف الاجتهاد نتيجة الظروف السياسية وغيرها، وتراجع الطلب لعلم الحديث بالنسبة للعصور السَّابقة، وكان التأليف قليلاً، وإن وجد كان على شكل مختصرات من الشِّعر والنثر تتحدث في الحديث وعلومه، ومن المؤلفات في هذه الفترة: المنظومة البيقونية للبيقوني، وتوضيح الأفكار للصنعاني.
سادساً: عصر الرُّجوع واليقظه
من بداية قرننا الحالي إلى وقتنا الحاضر
ظهرت في هذه الفترة المؤلفات المنشورة، وطباعة المؤلفات السَّابقة، وظهرت يقظة بين طلبة علم الحديث وعلمائة لخطر يقترب من الحديث وعلومة نتيجة الصراعات الفكرية والعداء الحديث للإسلام، ومن مؤلفات هذه الفترة: مفتاح السنّة للخولي، وقواعد التحديث للشيخ جمال القاسمي.
الخاتمة
من تتبعنا لمراحل التطوُّر لعلم الحديث، لاحظنا تتابع اهتمام الأمَّة بالحديث النّبويّ، لأهميَّته في ديننا وفقهنا وعقيدتنا، وأكبر دليل على هذا الاهتمام اتصال سند الحديث للأمَّة الإسلامية حتى وقتنا الحاضر جيلاً يأخذه عن جيل، ويبلّغه لمن بعده، وما ظهر من مؤلفات الحديث من زمن النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى عصرنا الحاضر، إنّما هو أيضاً صورة درجة اهتمام أمَّة محمّدٍ صلّى الله علية وسلَّم بحديث نبيّها عليه أفضل الصّلاة والتسليم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: