فرقة الماتريدية من أشهر الفرق الكلامية حيث مرت بالعديد من المراحل، ويُجيب موقع معلومات في هذا المقال عن سؤال ما هي فرقة الماتريدية مع توضيح تاريخها ومبادئها.
ما هي فرقة الماتريدية
يمكنُ تعريف الماتريدية على أنَّها إحدى الفرق الكلامية التي ظهرت في بداية القرن الهجري الرابع في سمرقند، قامت في أساسها أوَّل الأمر على استخدام الأدلّة والبراهين الكلامية والعقلية في المحاججة بينها وبين خصومها من الفرق الإسلامية الأخرى؛ وذلك كي يثبتَ أصحابها بعض الأمور ضمن العقيدة الإسلامية.
قد كان أصحاب هذه الفرقة أقرب الناس إلى الأشاعرة، فقد كان خلافهم معهم بسيطًا ومقتصرًا على بعض المسائل، ذكرَ البعض أنَّها كانت 13 مسألة فقط لا غير، وقيل أيضًا أنَّ الخلاف كان لفظيًّا في بعضها، حيثُ ظهرت في فترة الصراع الكلامي في بغداد وفي فترة ولادة الكثر من الآراء والمذاهب هناك.
دعا فكر الماتريدية إلى الجمع بين العقل والشرع ودعا أيضًا إلى توسيع دائرة التفكير والاستنباط. تنسب الماتريدية إلى مؤسس هذه الفرقة وإمامها محمد بن محمود أبي منصور الماتريدي السمرقندي الذي توفي في عام 333 للهجرة، اشتهر بلقب الماتريدي نسبة إلى مدينة ماتريد في سمرقند ويقدَّر أنَّه ولد عام 248 للهجرة، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري الذي استضافَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دار الهجرة.
اعتمد الماتريدي في فكره على المنهج الذي نُقل عن عبد الله بن كلاب في العقيدة والكلام، واعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه ومبادئه.
تاريخ فرقة الماتريدية
لم تشتهر الماتريدية بهذا الاسم إلا بعد وفاة إمامها أبي منصور الماتريدي، حيثُ انتشرت في كثير من بلدان الشرق خاصَّة في الهند والصين وباكستان وأفغانستان وغيرها، وما زال لأتباعها وجودٌ قويّ لهم حتى الآن في تلك البلدان.
مرَّت الماتريدية بأربع مراحل رئيسة منذ أوَّل نشوئها وتكونها، وفيما يأتي سيتمُّ الحديث عن كل مرحلة مع ذكر تعريف مختصر بها:
مرحلة التأسيس: تميَّزت هذه المرحلة بكثرة المناظرات مع أتباع المعتزلة، وكان من كبار هذه المرحلة: مؤسسها أبو منصور الماتريدي.
مرحلة التكوين: وهي المرحلة التي نشط فيها تلاميذ أبي منصور ومن تأثر به من أتباعه وعملوا على نشر أفكارهم والدفاع عنها، وفي هذه المرحلة ظهرت الماتريدية على أنَّها فرقة كلامية مستقلة بذاتها في سمرقند، من أشهر رواد هذه المرحلة: إسحاق الحكيم السمرقندي، عبد الكريم بن موسى البزدوي.
مرحلة التأليف: وهي مرحلة تأصيل لهذه العقيدة، تميزت بكثرةِ جمع الأدلة من أجل العقيدة الماتريدية وتميزت بكثر التأليف أيضًا وتعتبر أهم من أوَّل مرحلتين مرت بهما الماتريدية، من أشهر روادها: نجم الدين عمر النسفي، أبو المعين النسفي.
مرحلة الانتشار: أهمّ المراحل والتي بلغت فيها الماتريدية أقصى انتشارها وتوسعها، وذلك بسبب مناصرة بعض السلاطيين العثمانيين، لذلك توسَّع انتشارهم حسب توسع الدولة العثمانية كالمشرق العربي والهند وفارس وبلاد الترك والروم، ومن أشهر روادها: الكمال بن الهمام.
من أسباب إحياء الفكر الماتريدي وانتشاره أن الأزهر الشريف يأخذ عقيدته من المذهب الأشعري والماتريدي بالإضافة إلى فقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد، فقد أكد شيخ الأزهر على أن الأزهر سيبقى أشعري المذهب وماتريدي العقيدي، لما في ذلك المنهج من الوسطية والاعتدال.
مبادئ فرقة الماتريدية
- المصدر في التلقي هو العقل، وقد صرح بهذا الماتريدي في عدد من كتبه، فقال: “إن العلم بالله وبأمره غرضٌ لا يدرك إلا بالاستدلال”. أي بالمعرفة العقلية. (( التوحيد للماتريدي ص 137 ))
- ذهبت الماتريدية إلى أن معرفة الله تجب بالعقل قبل ورود السمع، وأن الإنسان يتحمل مسئولية هذه المعرفة قبل بعثة الأنبياء والرسل، ولا يكون معذوراً بتركها، بل يعاقَب على تركه لها. (( تفسير الماتريدي ج 3 ص 421 ))
- الإيمان عند الماتريدية هو التصديق بالقلب فقط، وهذا مخالف لما عليه أهل السنة من أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، وفيما يتعلق بإيمان المقلد، فإن الماتريدية يقولون بصحته مع الإثم لعدم الاستدلال. (( درء التعارض 7/441 ))
- بناء على رأي الماتريدية في مسألة الإيمان، فقد قالوا: بعدم زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق، و التصديق لا يتصور فيه الزيادة والنقصان. وهذا مخالف لقول أهل السنة، من أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. (( امام اهل السنة والجماعة ، ابو منصور الماتريدي ، د. علي المغربي : 224 ))
- يقول الماتريدية بالمجاز في القرآن والحديث واللغة، والمجاز عندهم أصل منهجي يعتمدون عليه في تقرير العقيدة وأصول الفقه، فالمجاز عندهم هو: قسيم الحقيقة، أي بمعنى الشيء المقابل للحقيقة، وهذا كان له دور كبير في تأويل النصوص في عقيدة الماتريدية. (( التحرير في اصول الفقه لابن همام 168 ))
- لا تأخذ الماتريدية بأحاديث الآحاد في باب العقائد، فلا يحتجون إلا بالقرآن وبالحديث المتواتر، وقالوا: لأن أحاديث الآحاد تفيد الظن، ولا تفيد العلم اليقيني. (( التوحيد 8-9 ))
- يرون أن معرفة الله لا تكون إلا بالاكتساب العقلي، فالماتريدية تعتقد أن الله لا يُعرف إلا من طريق العالم، فلابد من إثبات حدوث العالم، ثم الاستدلال بذلك على إثبات وجود محدثه، لا يفرقون بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، كما قالوا بالصفات الخبرية ـ كالاستواء واليد والعين ـ ولذلك اشتهروا بالصفاتية، فقالوا إنّ صفاته سبحانه زائدة على ذاته في مقابل المعتزلة الذين يؤوّلونها ولا يثبتونها بما يتبادر منها في ظواهرها. (( شرح العقائد النسفية 34 ))
- الماتريدية تقول بأن صدق الرسل والأنبياء يقوم على النظر في صفات الأنبياء الخِلقية والخُلقية – قبل الرسالة وبعدها- وأيضاً تثبت النبوة عندهم بتأييد الله لهم بالمعجزات والآيات الدالة على صدقهم. (( التوحيد 188 – 189 ))
- تثبت الماتريدية كرامات الأولياء كما أنهم يثبتون معجزات الأنبياء ويرون أن لا فرق بينهما إلا التحدي الذي هو دعوى الرسالة، فالمعجزة عندهم: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة. (( العقائد النسفية: ص 76 ))
- تدخل الماتريدية قضايا اليوم الآخر في باب السمعيات حسب تقسيمهم للعقائد، وقالوا بأن مسائل اليوم الآخر لا تعلم إلا بالسمع، بمعنى: أن مصدرهم في التلقي فيما يتعلق باليوم الآخر هو السمع فقط. (( التوحيد 77 – 80 ))
- اتفقت الماتريدية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وهي كسب من العباد، ولكن اختلفوا عن الأشاعرة في معنى الكسب، فقالت الماتريدية: إن المؤثر في أصل الفعل قدرة الله تعالى، والمؤثر في صفة الفعل قدرة العبد، وتأثير العبد هذا هو الكسب. (( الماتريدية دراسة وتقويما 435 ))
- وافق الماتريدية المعتزلة في مسألة التكليف، فقالوا بعدم جواز تكليف ما لا يطاق؛ لأنه فاسد عقلاً ولعدم وجود القدرة التي هي مقتضى التكليف. (( شرح الاصول الخمسة 133،396،409 ))
- بالنسبة إلى حكم مرتكب الكبيرة، فارتكاب الكبيرة عند الماتريدية لا يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر إن لم يكن مستحلًا لها، بل هو مؤمن كامل الإيمان، وهو مع إيمانه فاسق مستحق الوعيد وفي الآخرة تحت المشيئة. (( تاريخ المذاهب الاسلامية ، 176 ط دار الفكر العربي ))
اقرأ أيضًا:
المصادر: