القدرية اسم أطلقه أهل السنة والجماعة على كل من يزعم أنه قدّر أفعاله بنفسه، ويتناول هذا المقال الإجابة عن سؤال ما هي الفرقة القدرية وأنواعها مع توضيح الآراء فيهم والرد عليهم.
ما هي الفرقة القدرية
هي فرقة كلامية تنتسب إلى الإسلام، وتعدّ من أول الفرق الإسلامية المخالفة وقد ظهرت في بداية عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، والقدرية مفهوم يرى أن الله لا يعلم شيء إلا بعد وقوعه وأن الأحداث بمشيئة البشر وليست بمشيئة الله، وتقول: لا قدر والأمر آنف أي مستأنف، وهو نفي لعلم الله السابق، وأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.
تاريخ الفرقة القدرية
ظهرت القدرية في البصرة في آخر عصر الصحابة بعد عصر الخلفاء الراشدين، وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة؛ كعبدالله بن عمر وجابر بن عبدالله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبدالله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني، وأقرانهم، وأوصَوا مَن بعدهم بألا يسلِّموا على القدرية، ولا يصلوا على جنائزهم، ولا يعودوا مرضاهم.
وأول مَن أظهر بدعة القدر رجلٌ من أهل البصرة بالعراق، يقال له: سنسويه (أو سوسن) بن يونس الأسواري، كان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصَّر، فأخذ عنه معبد الجهني، الذي أظهر القول بالقدر، وعنه أخذ غيلان بن مسلمٍ الدمشقي، أما معبد الجهني فقد قتله الحَجَّاج بن يوسف الثقفي سنة 80هـ، وأما غيلان الدمشقي فقد قتله الخليفة هشام بن عبدالملك بدمشق.
أنواع القدرية
تنقسم القدرية إلى نوعين:
الأول: منكِرون لعلم الله تعالى، وهم غلاة القدرية الأوائل.
الثاني: القائلون بأن الله لم يخلُقْ أفعال العباد، وهم معظَم القدريَّة.
افترقت القدرية إلى عشرين فرقة، وهذه أسماؤها: الواصلية، والعمرية، والهذلية، والنظامية، والمردارية، والمعمرية، والثمامية، والجاحظية، والخياطية، والشحامية، وأصحاب صالح قبة، والمريسية، والكعبية، والجبائية، والبهشيمية المنسوبة إلى أبي هاشم بن الجبائي.
الآراء في القدرية
روى أبو داود عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “القدريَّة مجوس هذه الأمة، إن مرِضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة أو الرقم: 342 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
روى أحمد عن نافعٍ قال: كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه مرةً عبدالله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيءٍ من القدر، فإياك أن تكتب إليَّ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيكون في أمتي أقوام يكذِّبون بالقدر”. (( الراوي : نافع مولى ابن عمر | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 8/33 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
روى أحمد عن يحيى بن سعيدٍ: أن أبا الزبير أخبره أنه كان يطوف مع طاوسٍ بالبيت، فمر بمعبدٍ الجهني، فقال قائل لطاوسٍ: هذا معبد الجهني الذي يقول في القدر، فعدل إليه طاوس حتى وقف عليه، فقال: أنت المفتري على الله عز وجل القائل ما لا تعلم؟ قال معبد: يكذب عليَّ، قال أبو الزبير: فعدلت مع طاوسٍ حتى دخلنا على ابن عباس، فقال له طاوس: يا بن عباسٍ، الذين يقولون في القدر؟ فقال ابن عباسٍ: “أروني بعضهم”، قال: قلنا: صانع ماذا؟ قال: “إذن أجعل يدي في رأسه ثم أدق عنقه”.
روى مالك عن عمه أبي سهيل بن مالكٍ، أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبدالعزيز فقال: ما رأيك في هؤلاء القدريَّة؟ فقلت: “رأيي أن تستتيبهم، فإن تابوا، وإلا عرضتَهم على السيف”، فقال عمر بن عبدالعزيز: “وذلك رأيي”، قال مالك: “وذلك رأيي”.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي – رحمه الله – وسأله علي بن الجهم عمن قال بالقدر يكون كافرًا؟ قال: “إذا جحد العلم، إذا قال: إن الله عز وجل لم يكن عالمًا حتى خلق علمًا فعلِم، فجحد علم الله عز وجل، فهو كافر”.
الرد على القدرية
قول هذه الفرقة بنقي القدر بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة.، لأن المعتقد الصحيح الذي تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة إثبات علم الله تعالى السابق، وأنه كتب مقادير الخلائق جميعًا قبل أن يخلقهم، وأنه لا يقع في كونه إلا ما شاء وأراد.
قال تعالى: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (( سورة القمر الآية 49 ))، وقال في موضع آخر من القرآن الكريم: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ”. (( سورة الحديد الآية 22 ))
وقد جاءت السنة النبوية لتؤكد على ذلك، فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء”. (( الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2653 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ومن هذا يعلم بطلان قول من يقول إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة، فإنه لا يقع في كون الله تعالى إلا ما يشاؤه، ولا يستطيع العبد أن يفعل شيئًا إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، فالأمر كما قال الله تعالى “لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين” (( سورة التكوير الآية 28.29 ))، فأثبت للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تؤثر ولا تنفذ إلا بعد مشيئة الله تعالى، لكن العبد فاعل لفعله حقيقة، ولهذا يحاسب عليه ويجازى.
اقرأ أيضًا:
المصادر: