معنى آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
عنيت سورة الأنفال بجانب التّشريع وخصوصًا فيما يتعلّق بغزوات المسلمين وجهادهم في سبيل الله، وقد عالجت بعض القضايا الحربيّة التي ظهرت في بعض الغزوات، واحتوت على كثيرٍ من التّشريعات الحربيّة والإرشادات الإلهيّة التي يجب على المؤمنين الالتزام بها في قتالهم لأعداء الله تعالى، ويبحث الكثيرون عن معاني آيات هذه السورة الكريمة وخاصةً معنى آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.
معنى آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
قال الإمام السّعدي إنّ معنى آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة أي: تجهّزوا لأعدائكم الكفّار العازمين على القضاء عليكم وعلى دينكم، وقوله: {مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، كلّ ما تستطيعون فعله من تسليح وتحصين وفنون القتال، والعلم والسّياسة وغير ذلك لمواجهتهم.
وقوله تعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، وتجهيز الخيول العربيّة القويّة والسّريعة في عدوها لتزرعوا الخوف والإرهاب في قلوب أعداء الله وأعدائكم، وهي الموجودة آنذاك، فإذا وُجد ما هو أشدّ منها إرهابًا للأعداء وجب الاستعانة به، كالأسلحة بأنواعها المتعدّدة والسّيّارات والطّائرات والدّبّابات والصّواريخ وغير ذلك، لأن ما لا يتمّ الواجب إلّا به، فهو واجب.
أمّا قوله: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ}، والاستعداد لمّن سيقاتلونكم ولم يُظهروا لكم العداوة بعد، قوله: {اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}، ولكنّ الله يَعلمُهم، فلذلك أمرهم الله بالاستعداد لهم.
ومن أعظم الأمور التي تعين على قتال الكفّار التّضحية بالمال كما التّضحية بالنّفس، ولهذا قال تعالى مرغّبًا في ذلك: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}، فأجر الإنفاق في سبيل الله لا بدّ وأن يكون يوم القيامة مضاعفًا أضعافًا كثيرة، وجزاء الصّدقة في سبيل الله، يضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف مضاعفة، {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}، أي: أجركم مصون من الله تعالى ولا ينقص منه شيّئًا.
وجاء في تفسير البغويّ في تأويل قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، الإعداد: الاستعداد باتّخاذ ما يُحتاج إليه لوقت الحاجة، {مِنْ قُوَّةٍ}، أَي: من كلّ ما يكون لهم عونًا وقوّة عليهم من الخيل والسّلاح وآلات الحرب وغيرها.
وقوله تعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}، وربط إناث الخيل دون الذّكور لقلّة صهيلها، وتجهيزها لوقت الحرب، وقوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، لتجعلوا الخوف يخيّم على أعدائكم من الكفّار والمشركين، وقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}، أي: وتخوّفون أقوامًا آخرين لم يظهروا لكم العداء لنفاقهم أو لخوفهم أو لغدرهم.
قال بعض أهل العلم: بنو قريظة، وقال آخرون: أهل فارس، وقال غيرهم: المنافقون، وهناك من قال: كفّار الجنّ، فالله يعلم بسرائرهم، وقوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}، أي: كلّ في تتبرّعون به في سبيل الله تنالون ثوابه أضعافًا مضاعفة، وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}، أيّ: لا ينقص من أجوركم شيئًا.
اقرأ أيضا: معنى آية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
معاني المفردات في آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
من أبرز معاني المفردات التي تحتاج لتوضيح في آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ما يأتي:
- أعدّوا: أَعَدَّ: فعل، أعَدّ يُعِدُّ أعِدّ، إعدادًا، فهو مُعِدّ، واسم المفعول مُعَدّ، يقال: أعَدَّ الشَّيءَ: جهَّزه، هيَّأه، حضَّره، كوَّنه، وأعَدّ للأمر عُدَّته: أي: تهيَّأ واستعدَّ له، أَعَدَّتِ الأُمُّ طَعاماً لأبنائها: حَضَّرَتْهُ، أعدَّ مستلزمات التّعليم للطّلاب: هيَّأها لهم وأحضرها، لا يُعِدُّ شَيْئاً في الوقت المحدّد: لاَ يُنْجِزُهُ.
- رِبَاطِ: رَبَطَ: فعل، ربط يربط رَبطًا، ورَبَطَ الشّيءَ يَرْبِطُه ويَرْبُطُه رَبْطاً، فهو مَرْبُوطٌ ورَبِيطٌ: شدَّه، والرِّباطُ: ما رُبِطَ به، وجمعه رُبُطٌ، وربَط الدّابةَ يربِطُها ويربُطُها رَبْطاً وارْتَبَطَها، ودابَّةٌ رَبِيطٌ: أي: مَربوطة، والمِرْبَطُ والمِرْبَطةُ: ما ربَطها به، والرِّباطُ من الخيل: الخمسةُ فما فوقها؛ والرِّباطُ والمُرابَطةُ: مُلازمةُ ثَغْرِ العَدُوِّ، وأصله أَن يَرْبِطَ كلُّ واحد من الفَريقين خيلَه، ثم صار لزومُ الثَّغْرِ رِباطاً، وكذلك سمّيت الخيلُ أَنفُسها رِباطاً، والرِّباطُ: هو المُواظَبةُ على الأَمر.
- تُرْهِبُونَ: رَهَّبَ: فعل، رهَّبَ يُرهِّب، تَرهيبًا، فهو مُرَهِّب، واسم المفعول مُرَهَّب، رَهَّبَ الوَلَدَ: أي: خَوَّفَهُ، وفَزَّعَهُ، فالرَّهْبُ: الخوف، وأرهبَ يُرهب، إرهابًا، فهو مُرهِب، والمفعول مُرهَب، وأرهب فلانًا: خوَّفه وأفزعه.
- يُوَفَّ: وفّى: فعل، وفَّى يوفِّي وَفِّ، تَوْفِيةً ، فهو مُوَفٍّ ، واسم المفعول مُوَفًّى، ووفَّى الرّجل حقَّه: أوفاه؛ أعطاه إيّاه كاملًا، أتمَّ ما وعده به، ووَفَّى الشّخص بِنَذْرهِ: أَبْلَغَهُ.
اقرأ أيضا: معنى آية فكنتم على أعقابكم تنكصون
فوائد من آية وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
- لا بدّ لنصرة الحقّ من قوّةٍ؛ في مواجهة ما يتحدّاه، لردع القوى المعادية، التي تمنعه من ممارسة حريته وتحقيق دعوته، ولا بدّ للمسلمين من الحصول على ذلك كله، لمواجهة الأعداء بقوّة العتاد الذي يملكونه وأقوى.
- تكون قوة العتاد لدى المسلمين مكافئة لقوّة عتاد أعدائهم، وبإيمانهم وعقيدتهم يمكنهم التّغلّب عليهم.
- لا يتحقّق للمسلمين تلك الغلبة إلّا من خلال التّقدّم العلميّ والاقتصادي والسّياسيّ ليصبحوا في غنّى عن حاجتهم إلى الكفّار.
- إذا كان الوصول إلى هذا المستوى من القوّة والحضارة يحتاج إلى الكثير من المال، فإنّه يتوجّب على أغنياء الأمّة ومؤسّسات الدّولة أن تساهم في الانفاق على الدّفع بالأمّة نحو القوّة والحضارة على جميع المستويات، ويجب أن يضعوا نصب أعينهم أنّ ذلك إنفاقًا في سبيل الله، وأنّ الله تعالى سيعوّضهم أضعافًا كثيرة، عمّا أنفقوه في هذا السّبيل في الدنيا والآخرة.
اقرأ أيضا: معنى آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح