معنى آية وهم يصطرخون فيها
تحدثت سورة فاطر عن بعض من أحداث اليوم الآخر وأهواله، وجاءت الآيات الكريمة تصف حال أهل النار وعذابهم حيثُ قال الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}، ويبحث الكثير من المسلمين عن معنى آية وهم يصطرخون فيها وما تنطوي عليه من فوائد وثمرات.
معنى آية وهم يصطرخون فيها
يضع قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} القارئ أمام مشهد من مشاهد العذاب الذي يكون لأهل النار يوم القيامة، فالآية الكريمة تتضمن مشهدًا حركيًا يمتلئُ قلقًا وصُراخًا واضطرابًا وعدم استقرار، وهذا ما دلت عليه كلمة {يَصْطَرِخُونَ}، فنقلت صورة متكاملة وواضحة عن اضطرب الأجواء التي يعيشها أهل النار، فجاءت هذه الكلمة بدلالتها الصوتية لتعبر عن المشهد بوضوح، حيثُ إن دلالتها الصوتية نختلف عن كلمة يصرخون.
إن معنى آية يصطرخون فيها أي أن هؤلاء الكفار يَصْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين: ربنا أخرجنا من نار جهنم، وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا، فنؤمن بدل الكفر؛ فيقول لهم: أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْرًا وافيًا من العُمُر، يتعظ فيه من اتعظ، وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب جهنم، فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب الله.
وأشارت الآيات الى استغاثة أهل النار عن طريقِ الاصطراخ وهو افتعالٌ من الصراخ، ويُستخدم كثيرًا في الاستغاثة لجهد المُستغيث صوته وإرهاقه في طلبه لربه بأنّ يخرجه من نارِ جهنم ليرجع للحياة الدنيا ويعمل صالحًا غير الذي كانَ يعمله في الحياة الدنيا.
وقد قيّدت الآيات العمل الصالح بالوصف السابق ليفيد التحسّر على ما كانوا يعملون من عملٍ غيرِ صالح، واعترافهم بذلك، وللإشعار بأن طلبهم للخروج هو لتلافي ما كانوا يعملونه ويظنون أنّه صالح، وقد تبيّن لهم خلافه.
وجاء في تفسير الطبري أن قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أن الله تعالى يذكر حال الكافرين وهم يضجون ويستغيثون في نار جهنم بقولهم: “يا ربنا أخرجنا نعمل صالحًا”، أي: نعمل بطاعتك {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، أي قبل دخولهم في النار ما كانوا يعملون من معاصي.
أما قول الله تعالى: {يَصْطَرِخُونَ} أي يفتعلون من الصراخ، وقُلبت التاء طاءً لقرب مخرجها من حرف الصاد لما ثَقُلت، واختلفَ أهل التفسير فيما جاءَ بعدها من قول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}، فقال بعضٌ من أهل التفسير أن المدة أربعون سنة، حيثُ روي عن ابن عباس أنّه قال: “العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}، أربعون سنة، وقال آخرون بأنّه ستون عامًا.
وقيل أن معنى قول الله تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أي لا يخفف عنهم العذاب، وإن اضطربوا واصطرخوا لا يخفف الله ما هم عليه من عذاب حتى يطلبون من الله تعالى التخفيف ولا يجدونه، والاصطراخ مأخوذٌ من الصراخ، والصراخ صوت المُعذَّب، وهم يصرخون ويطلبون من الله تبارك وتعالى أن يخرجهم من نار جهنم؛ فصراخهم عبارةٌ عن كلام وهو طلب الخروج من النار.
وتُشير الآية الكريمة إلى أنهم يصرخون من التعذيب وليس التأديب؛ فالمؤَدب إذا قال لمن يؤدبهِ أنه ينوي الرجوع عن الفعل الذي يعاقب من أجلِهِ يتركه، بعكسِ التعذيب فإنَ المُعذِّب لا يرجع عن ذلك لأنه أعطاه فرصةً للتذكر.
وقال ابن كثير معنى قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}، أي يجأرون بأصواتهم لله تعالى ويسألونه الرجوع للحياة الدنيا ليعملوا غير ما عملوا في حياتهم، والله تعالى العالمُ بحالهم وهو يعلمُ بأنّهم كاذبون ولو ارجعهم للدنيا للجاؤوا بنفسِ الأعمال التي عملوها، ويعودوا لما نهوا عنه، فلهذا لم يجيبهم الله تعالى عن سؤالهم، كما ويذكّرهم الله تعالى بأنّهم عاشوا في حياتهم الدنيا أعمارًا يُدرك بها أصحاب العقول السليمة الطريق الصحيح ويختارونَه.
اقرأ أيضا: معنى آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون
فوائد من آية وهم يصطرخون فيها
لا بُدَّ من الوقوف عند كُلِّ آيةٍ في كتاب الله تعالى لتدبرها وفهمها ومعرفة ما جاءت به من مواعظ وحكمٍ وأحكام، ومن أبرز الفوائد التي انطوت عليها آية وهم يصطرخون فيها ما يأتي:
- للدعاء قيمةٌ كبيرةٌ وهو ينفع العبد إن أراد الله تعالى ذلك، ولم ينفع الدعاء أهل النار شيئًا، لأنّهم أدركوا أهميته بعدما فاتَ الأوان، وحلَّ بهم العذاب، وكانَ الله تعالى قد أرسل إليهم الرُّسل لِتنذرهم.
- للنصيحة والوعظ أهميةٌ بارزة، حيثُ إن هذه المهمة تُعدُ من أعمال الرّسل والأنبياء والدعاة إلى الله تعالى وإلى طريق الحق.
- للحوار دورٌ كبيرٌ في إقامة البيان والحجة على الطرف الآخر، حتى أنَّ الله تعالى يحاور أهل النار ويجاوب على ما سألوه.
- للعلم الشرعي فائدةٌ عظيمةٌ تنفع المسلم في حياتِهِ وآخرته، ويظهر أيضًا أهمية العمل الصالح للإنسان وكيفَ يُنجيه من عذاب الآخرة.
- ينبغي على الإنسان أن يتفكر ويتدبر، ويعرف قيمة إرسال الرّسل وأهمية طاعتهم وتنفيذ ما جاؤوا به.
- الدنيا دار عمل والآخرةُ هي دار الحساب، وما يزرع الإنسان في حياته الدنيا يراه في آخرته.
اقرأ أيضا: معنى آية تلفح وجوههم النار