فضل سورة العصر
سورة العصر هي من قصار السّور، وهي السورة الثالثة بعد المئة في ترتيب السور، عدد آياتها ثلاثة فقط، وهي سورةٌ مكيّةٌ، نزلت على سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بمكّة المكرّمة، ولها من الإعجاز ما لغيرها، على قصرها، لكنّها شملت على منهاج دنيوي كامل، ولذلك يُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة العصر ومقاصدها.
فضل سورة العصر
رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيُّها النَّاس إنَّه بلغني أنَّكم تخافون عليَّ الموتَ كأنَّه استنكارٌ منكم للموتِ وما تُنكِرون من موتِ نبيِّكم ؟ ألم أُنْعَ إليكم وتُنعَى إليكم أنفسُكم ؟ هل خُلِّد نبيٌّ قبلي فيمن بُعِث فأخلدَ فيكم ؟ ألا إنِّي لاحقٌ بربِّى وإنَّكم لاحقون به وإنِّي أُوصيكم بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا وأوصي المهاجرين فيما بينهم فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ. (( الراوي : عبدالله بن ضرار بن الأزور | المحدث : العراقي | المصدر : تخريج الإحياء، الصفحة أو الرقم: 5/218 | خلاصة حكم المحدث : مرسل ))
من أعظم ما يدل على أهمية وفضل سورة العصر أنها كانت السورة التي يقولها كل صحابي لأخيه عند الافتراق بدليل حديث: ”كان الرَّجُلانِ من أصحابِ النبيِّ إذا التَقَيا لمْ يَفْتَرِقَا حتى يقرأَ أحدُهُما على الآخَرِ: (و العَصْرِ إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْرٍ)، ثُمَّ يُسَلِّمَ أحدُهُما على الآخَرِ”. (( الراوي : أبو مدينة الدارمي | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 2648 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
هناك بعض الأحاديث الموضوعة التي تدل على فضل سورة العصر مثل حديث: ” من يقرأ سورة العصر تُختَم عاقبته بالصبر، ويُحشر في القيامة مع أصحاب الحقّ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 324 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
مما يُشير أيضًا إلى فضل سورة العصر وعظم مكانته ما قاله الأئمة والمحدثون عن أهمية تدبرها مثل الإمام الشافعي حيث قال: ”لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم” أي سورة العصر، وقال أيضًا عنها: “لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم”.
قال عنها الإمام الصادق: من قرأ (والعصر) في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقاً وجهه، ضاحكاً سنّه، قريرة عينه، حتى يدخل الجنة”.
مقاصد سورة العصر
يمكن حصر مقاصد سورة العصر بتفسير الآيات الثلاث التي تكوَّنتْ منها هذه السورة المباركة، وعلى قصرها إلَّا أنَّ مقاصد سورة العصر واسعة عظيمة تدلُّ على بلاغة العليم الحكيم وعظمة هذا الكتاب وإعجازه، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذه السورة: {والعصر * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
في الآية الأولى يُقسم الله -عزَّ وجلَّ- بالعصر وأهل التفسير يقولون: إنَّ العصر هو الزمن بشكله العام، والله تعالى يُقسم بالنجم والعصر والليل وغير ذلك مما شاء من خلقه، مع ضرورة الإشارة إلى أنَّ هذه الأقْسَام لا تكون إلَّا لله العلي القدير، فليس للخلق أن يقسموا إلَّا بالله -سبحانه وتعالى- فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “مَن كانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ”. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6646 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ويُشير أهل العلم إلى أنَّ الله تعالى أقسم بالعصر لأنَّ هذه الفترة من النهار هي أهم فترة من فترات اليوم يستطيع الإنسان أن يؤدي بها أعماله فهي مستودع أعمال الناس، ولهذا جاء الحديث في الآيات اللاحقة عن الأعمال.
ومن مقاصد سورة العصر في الآية الثانية تأكيدُ الله تعالى على خسران الإنسان مع وجود أداة الاستثناء في الآية الثالثة التي استثْنَتْ من الخسران بعض الناس الذينْ يتصفون بببعض الصفات والتي تتمثل في:
الإيمان بالله ويكون الإيمان بالقلب واللسان والعمل، لذلك جاءت الأعمال الصالحة بعد الإيمان مباشرة لأن الإيمان لا يتحقق إلَّا بالعمل، بالإضافة إلى التواصي بالحق بمعنى أن يوصي الإنسان أخاه الإنسان بالخير والإحسان والمعروف، فالتواصي هو أن يأمر أو يوصي الإنسان أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر، واختُتمت السورة بتوضيح الصفة الأخيرة وهي التواصي بالصبر لأن الآمر بالمعروف سيلحقه من الناس ما يلحقه من الأذى والتجريح، فعلى الإنسان أن يكون صبورًا في دعوته إلى الله الواحد وفي أمره الناس بالمعروف ونهيه الناس عن المنكر، وقد ربط الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر في سورة لقمان في قوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
تأملات في سورة العصر
لقد أمر الله -سبحانه وتعالى- النّاس أن تقرأ القرآن الكريم، وأن تفهم معانيه، وأن تتدبّر لتدركَ مراميه، فمن تدبّر آيات ربّه، زادته إيمانًا واحتسابًا، ومنحته النور في الدرب الموصل إلى جنّات النعيم، فالإنسان المسلم يتمثّل القرآن منهجًا لحياته قراءةً وتدبرًا وتطبيقًا، ومن السور القصار التي تُقرأ مرارًا وتكرارًا في الصّلوات الخمس المفروضة سورة العصر، ويذكر هذا المقال تأملات في سورة العصر، تأتي تباعًا:
- وقوع السورة بين خسريين، يتمثّل الخسر الأول في سورة التكاثر قبلها، قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِر}، والخسر الثاني في السورة التي تأتي بعدها في سورة الهمزة، قال تعالى: {كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، فتناسب وقوعها بين الخسريين، مع القسم الربانيّ في سورة العصر، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.
- الدّهر هو أكبر شاهدٍ على خسارة الأمم، فكان قسم الله -سبحانه وتعالى- بالعصر، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ}، وهو من إعجاز بيانه أنّ العصر من الوقت يأتي بعد مرور الوقت الكافي للاستشهاد به، فلا يكون الاستشهاد في بداية الدهر، وأنسب الوقت هو العصر، ومزامنةً مع الدّهر بين حياة الأمم كاملةً وحياتهم اليومية.
- يتجلّى الإعجاز البياني في كلام الله، في ذكره للخسران، ثمّ يتبعه أسباب النجاة، قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، فالتواصي بالحقّ تزامن مضمونًا مع التواصي بالصبر، فالتزام الطاعات، والابتعاد عن المنكرات يُلْزِمُ وجود الصبر.
اقرأ أيضًا:
المصادر: