فضل سورة العاديات
تعدُّ سورة العاديات من سور القرآن الكريم المكية، أي من السور التي نزلت على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة أو التي نزلَت عليه قبل الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، نزلت بعد سورة العصر، وتقع في الحزب الستين وفي الجزء الثلاثين وهو آخر جزء في القرآن الكريم، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة العاديات ومقاصدها.
فضل سورة العاديات
كغيرها من سور القرآن الكريم لم يرد أيُّ حديثٍ صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخصُّ سورة العاديات بفضل معين لوحدها، وفضل سورة العاديات مثل فضل باقي سور كتاب الله تعالى، في قراءتها كما في قراءة بقيَّة السور أجر كبير وثواب عظيم للمسلمين، وفي الحديث المشهور الذي رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ {ألم} حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
ومع ذلك فإن هناك مجموعة كبيرة من الأحاديث التي يكثر تداولها بين الناس؛ لذلك من المهم أن نستعرض تلك الأحاديث ونوضح مدى صحتها:
ورد عن الحسن البصري رحمه الله حديث مرسل عن فضل سورة العاديات: “إذا زُلْزِلَتِ تعدلُ نصفَ القرآنِ والعادياتُ تعدلُ نصفَ القرآنِ”. (( الراوي : الحسن البصري | المحدث : الشوكاني | المصدر : فتح القدير، الصفحة أو الرقم: 5/695 | خلاصة حكم المحدث : مرسل ))
ومما يدل على فضل قرائتها في صلاة الوتر ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يوتِرُ بإِذَا زُلْزِلَتْ ، وَالْعَادِيَاتِ ، وَألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ، وَتَبَّتْ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء، الصفحة أو الرقم: 7/212 | خلاصة حكم المحدث : تفرد به عن شعبة عبد الله بن واقد الحراني وفي حديثه لين ))
يَعمّد بعض الناس إلى قراءة سورة العاديات في أوقاتٍ محددةٍ وبعددٍ محددٍ طلبًا لتوسعة الرزق والإنجاب وتيسيير أمر الزواج، فلم يثبت حديثٌ أو شيءٌ خاصٌّ بشأن هذا الأمر، ولا بُد من وجود دليلٍ شرعيٍّ صحيحٍ في السُنة النبوية قبل الشروع في هذه القراءات كي لا يقع المسلم في فخّ الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمبتدعة ومن أبرز تلك الأحاديث المنتشرة: من قرأ هذه السورة أُعطي من الأجر كمن قرأ القرآن، ومن أدمن قرائتها وعليه دَين أعانه الله على قضائه سريعاً كائناً من كان”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 323 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
الخيل معقود بنواصيها الخير
وصفَ الله تعالى في سورة العاديات الخيل وهي في حالة هجومٍ وعدو وصفًا يثيرُ في النفوس الحماسَ، فوصف سرعةَ اندفاعها في البدايةٍ ثمَّ وصف حالةَ الكرِّ والفرِّ وهي تثيرُ الغبار متوسِّط جموعَ الأعداء، وكل ذلك طاعةً لصاحبها الذي يربِّها ويطعمها ويسقيها ويمتطيها وهو مخلوق مثلها.
قال تعالى: “والعادياتِ ضبحًا * فالموريات قدحًا * فالمغيراتِ صبحًا * فأثرنَ به نقعًا * فوسطن بهِ جمعًا”، وهذه إحدى منافعُ الخيلِ الكثيرة وهي الغزو والجهاد على ظهورهِا، وفي الخيول من الخير الكثير الكثير، كما وردَ في الحديث عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “رأيت رَسولَ الله _صلَّى الله عليه وسلَّم- يلوِي ناصِيةَ فَرسٍ بإصبعِه، وهو يقول: الخيلُ معقودٌ بنواصِيها الخيرُ إِلى يومِ القيامةِ: الأجرُ والغنيمةُ”. (( الراوي : جرير بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1872 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
والمقصودُ: أنَّ الخير ملازمٌ لنواصي الخيلِ حيثمَا توجَّهت. لذلك أقسم الله تعالى بها في مقدمة السورة.
مقاصد سورة العاديات
تبدأ سورة العاديات بالحديث عن الخيول التي تغزو وتعدو في الحروب والمعارك التي يخوضها المسلمون في سبيل الله تعالى، وعندما يُقسم الله تعالى بأحد مخلوقاته فإنَّ هذا يكون تعظيمًا لذلك المخلوق.
من مقاصد سورة العاديات أنَّها تبيِّنُ عظمة الخيل وتشيدُ بقوتها وشدَّةِ اقتحامها صفوف العدو وسرعةُ عَدْوها وما ذلك كلُّه إلا للمكانة العظيمة التي يحتلُّها الجهاد في سبيل الله تعالى، فأعظم مقاصد سورة العاديات هو الإشارة إلى أهميَّة الجهاد والإعداد له والتجهيزِ للفتوحات والغزوات، قال تعالى: {والعَادِيَاتِ ضَبحًا * فالمُورِيَاتِ قدْحًا * فَالمُغِيرَاتِ صبْحًا}.
أشارت سورة العاديات إلى الإنسان الجحود، الذي يجحدُ نعمَ الله تعالى عليه ويكفرُ بها، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.
وتُذكِّر آخر الآيات أيضًا بأهوال البعثِ والنشور بعد الموت في يوم القيامة الموعود، وتبيِّنُ كيف سيكشفُ الله تعالى مكنونات الصدور وما تخفيه، قال تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}.
تأملات في سورة العاديات
تكرر في القرآن الكريم قسم الله تعالى بأشياء قد خلقها، بإشارةٍ منه إلى عظيم شأنها وعظيم شأن ما يُقسم لأجله، وعند دراسة بعض ما ورد من تأملات في سورة العاديات تبيّنّ أنّ الله تعالى لم يقسم هذه المرّة بشيٍ واحدٍ فحسب، بل أقسم بمشهدٍ متكاملٍ وصوّر بقسمه هذا أحداثًا واقعةً حيث قال: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}.
أقسم بالخيل التي تعدو بسرعةٍ بحيث يمكن سماع صوت أنفاسها، ثم أقسم بحركتها وقوّتها وإغارتها في المعارك وذلك بأن ذكر فاء العطف التي أتت بمحلّ عطفٍ على القسم، ثم أقسم بما تقوم به تلك الخيول أثناء المعارك، وكان هذا القسم العظيم إشارةً من الله تعالى إلى عِظم ما يليه.
ويأتي التساؤل أثناء البحث فيما ورد من تأملات في سورة العاديات عن هذا الشيء الذي يقسم الله تعالى بهذا القسم العظيم لأجله، لتأتي الإجابة في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.
يؤكد الله تعالى على أنّ الإنسان في طبيعة جنسه إذا لم يُوفق للهداية فهو كفورٌ بنعمة الله وجاحدٌ لها بل وإنّه شهيدٌ على ذلك ومتيقنٌ به، فهو كثير السخط واللوم يذكر المصائب وينسى النعم، كما أنّه شديد الحبّ للمال وحريصٌ على جمعه والاحتفاظ به.
جاء هذا القسم العظيم لينبّه المسلمين إلى هذا الأمر ذو الأهمية الكبيرة، فكلّ بني البشر تحدّثهم أنفسهم بحبّ المال والبخل في إنفاقه والجحود بالنعمة إلّا من كان منهم مؤمنًا حق الإيمان، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: