تاريخ الاسلام في سورينام
تمتدُّ جذور الاسلام في قارّة أمريكا اللّاتينيّة إلى ثلاث فترات تاريخيّة، أوّل فترة كانت في القرن الخامس عشر عندما وصل المسلمون ضمن حملات الاستكشاف، وكانوا قادمين من المغرب، وإفريقيا، والبرتغال، وإسبانيا، وكان المسلمون الأوائل يُمارسون الاسلام في سورينام بسرّيّة خشية من محاكم التّفتيش، وتُؤكّد الباحثة الإسبانيّة المعروفة إيزابيل الفيريس دوتوليدو في كتابها من إفريقيا إلى أمريكا، بالحجج الموثّقة أنّ مؤسّس دولة المرابطين عبد الله بن ياسين، عبر المحيط الأطلسيّ، ووصل إلى شمال البرازيل، وغينيا، ونشر الإسلام مع أتباعه فيها، وهذا دليل على وصول الاسلام إلى أمريكا اللّاتينيّة في تلك الفترة، وأنّ الاسلام سبق اكتشاف كولومبوس لها، ويعترف هو شخصيًّا، أنّ المسلمين كانوا موجودين، ولغتهم العربيّة، ويُصلّون باتّجاه القبلة.
الاسلام في سورينام زمن الاستعمار الهولنديّ
في زمن استعمار سورينام من قِبل جمهوريّة هولندا، أحضرت الكثير من العبيد ليعملوا في مزارع قصب السّكّر، والبنِّ، والشّاي، بالإضافة لحفر الآبار، وشقِّ الأنهار، وتعبيد الطّرقات، وكانوا الخليّة الأولى لانتشار الاسلام في سورينام أغلب هؤلاء المسلمين كانوا من حفظة القرآن الكريم، ولكنّ الاستعمار الهولنديّ قمعهم، وظلمهم، فثاروا بقيادة أحد المسلمين الزّنوج، واتّجهوا إلى أحد الغابات المُحصّنة، واستمرّت الصدامات بينهم، حتّى نالوا الاستقلال في عام 1863، وأصبحوا يُعرفوا باسم زنوج الغابات جيوكا. كان المسلمون الأوائل في سورينام مُلتزمين باللّباس الإسلاميّ، والعادات الإسلاميّة بما في ذلك الابتعاد عن الخمر، أو أكل لحم الخنزير. بالإضافة إلى العُمّال الهنود والأفارقة ساهم المُهاجرون السّوريّون واللّبنانيّون في نشر الاسلام في سورينام عندما هاجروا للعمل فيها في القرن التّاسع عشر.
الاسلام في سورينام في القرن التّاسع عشر
بدأت الهجرات العُمّاليّة بالوصول إلى سورينام في القرن التّاسع عشر، وكان معظم العمّال القادمين من أندونيسيا مسلمين، بالإضافة إلى غيرهم من المهاجرين المُسلمين وغير المسلمين، الذين وصلوا إلى سورينام بحثًا عن فرص حياة أفضل، ولكنّ ظروفهم في سورينام لم تكن أفضل بكثير، ولم يستطع مُعظمهم الالتحاق بالتّعليم في المدارس، وكان عددهم في ازدياد ملحوظ، وانضمَّ إليهم مُهاجرون مسلمون من دول إفريقيّة وعربيّة خاصّة من نيجيريا. تُقدّر نسبة الاسلام في سورينام حاليًّا بثُلث السُّكّان تقريبًا أي 35%، وهكذا تكون جمهوريّة سورينام أكثر دولة بين دول أمريكا اللّاتينيّة جميعها، من حيث نسبة السُّكّان المسلمين.
وضع المسلمين في سورينام
مع أنّ مُتّبعي الاسلام في سورينام الأكثر عددًا في أمريكا الجنوبيّة، إلّا أنّهم طوائف متفرّقة، ولا يُشكلّون مجتمعًا حقيقيًّا، والطّوائف في منازعة دائمة، ولا يوجد علاقات تعاون بينهم، وكلُّ مجموعة تقول أنّ الحقَّ معها، والآخرون على ضلال، وكلُّ مجموعة مهاجرين لديها مؤسّسات إسلاميّة مُستقلّة، على سبيل المثال: جمعيات دينيّة هنديّة، وأخرى باكستانيّة، وعربيّة، وإفريقيّة، وسوريناميّة، وكلُّ مؤسّسة تُحاول على الحفاظ على الاسلام من وجهة نظرها، ومن منطلق عادات وتقاليد البلد التّابعة له، وبلغتهم الخاصّة، وهذا ينعكس سلبًا على الاسلام في سورينام حيث تمنع هذه الممارسات من أيّ احتماليّة لتكوين مجتمع للمسلمين، بالإضافة إلى عدم إمكانيّة إنشاء مراكز مشتركة لتعليم الاسلام بالإضافة إلى أنّ كلَّ طائفة لديها مساجد ومدارس خاصّة بها، ولولا هذه الاختلافات التي يُمكن أن تُحلّ، لأصبح الاسلام في سورينام دين الأغلبيّة.
المساجد في سورينام
يزيد عدد المساجد في سورينام عن مئة وخمسين مسجدًا، إلّا أنّها لا تقوم بدورها في نشر الاسلام في سورينام على أكمل وجه، ولا تُعتبر المساجد في سورينام مكانًا تجتمع فيه كلمتهم، ولا يجتمع فيها جميع المسلمين حتّى للصّلاة، لأنّ المسلمين في سورينام كما ورد سابقًا متفرّقون بين كثير من الطّوائف والمذاهب، وأغلب اشتباكتهم ليست فكريّة، بل تصل إلى التّضارب والقتال، بالإضافة إلى انتشارهم في مناطق سورينام المختلفة، وبمقارنة المسلمين مع غيرهم من الطّوائف، تظهر الكثير من المشاكل بينهم.
على سبيل المثال قام المسلمون الهنود بتأسيس جمعيّة المسلمين السّوريناميّة، وهي تابعة للمذهب الحنفيّ، وبنوا لها عددًا من المساجد والمدارس الابتدائيّة والثّانويّة، وأكثر المسلمين نشاطًا في نشر الاسلام في سورينام هم الهنود، بالإضافة إلى نشاطهم في العمل الخيريّ، أمّا المسلمون الأندونيسيّين فقد أسّسوا الاتّحاد الإسلاميّ السّوريناميّ على المذهب الشّافعيّ، وممّا يزيد الفرقة بين الطّوائف الإسلاميّة في سورينام، أنّهم يشعرون بالانتماء إلى البلد التي أتوا منها، أكثر من انتمائهم لسورينام، مثلًا يُصلّي المسلمون الأندونيسيّون باتّجاه الغرب، لأنّهم في أندونيسيا كانوا يُصلّون باتّجاه الغرب.
صورة الاسلام في سورينام
إنّ تفرّق المسلمين في سورينام أكثر من اللّازم، يُشوّه صورة الاسلام في سورينام كثيرًا، تنتشر في دول أمريكا الجنوبيّة وسورينام أيضًا جماعات أحمديّة وبهائيّة، وحالتهم المادّيّة ممتازة مقارنة بالمسلمين الآخرين، وحصلوا على مراكز قويّة في الدّولة، ولكنّ الحكومة في سورينام لا تُميّز بينهم وبين المسلمين الآخرين، لأنّ تصرّفاتهم بعيدة كلَّ البعد عن الاسلام الحقيقيّ.