سيرة حياة ابن قيم الجوزية
سيرة حياة ابن قيم الجوزية
اسمه
هو شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيّوب الزّريعيّ الدّمشقيّ الحنبليّ، ولقّب بابن قيّم الجوزيّة، لأنّ والده كان قيّمًا أي حارسًا لمدرسة الجوزيّة، في دمشق. ولد في السّابع من شهر سفر من عام 691 للهجرة، وترعرع في بيت يتميّز بالعلم والدّين، وأتاح له هذا فرصة أخذ العلم من كبار أهله، وعاش في وقت كانت العلوم المختلفة مزدهرة فيه.
بعد الانتهاء من دراسته الأساسيّة، واصل ابن القيّم تعليمه علي يد الشّيوخ في مساجد المدينة، ولكنّه وقع لفترة من الزّمن تحت تأثير تعاليم المعتزلة، وبعض المتصوّفين، ولكنّ هذه الفترة انتهت في عام 712 للهجرة، عندما كان عمره واحدًا وعشرين عامًا، والتقى شيخ الإسلام ابن تيمية.
شيوخه
أشهر شيوخ ابن قيّم الجوزيّة، هو ابن تيمية ورافقه لمدّة سبعة عشر عامًا، وترك أعظم الأثر في نفسه، وكان حبه لابن تيمية عظيمًا جدًا؛ لدرجة أنّه لم يعارض أبدًا أيّ شيء ممّا قاله، بل دعمه في كلّ شيء، وكان هو الذي حرّر كُتُبه وكتبها، ونشر تعاليمه، وانتقد نفس الأشياء التي انتقدها شيخه ابن تيمية. برغم كلّ هذا الحُبِّ كان ابن القيّم، كان أكثر سهولةً ومرونة من معلّمه مع أولئك الذين اختلف معهم
ومن شيوخه أيضًا الشّهاب النّابلسي، وأبو بكر ابن عبد الدّايم، والقاضي تقيّ الدّين سليمان، عيسى ابن المُطعم، فاطمة بنت جوهر، علاء الدّين الكنديّ، محمد ابن عبد الفتّاح البعلبكيّ، أيوب بن كمال.
تعلّم قوانين الميراث من شيخه إسماعيل بن محمد، واللّغة العربيّة من شيخه عبد الفتّاح البعلبكيّ، والمجد التّونسيّ. درس الفقه على يد مجموعة من العلماء منهم، إسماعيل بن محمد الحرّانيّ، وأخذ علم أصول الفقه من الشّيخ الصّافي الهنديّ.
طلابه
طلاب ابن قيّم الجوزيّة كُثُر، من بينهم ابنه عبد الله، وابن كثير صاحب كتاب البداية والنّهاية، والإمام والحافظ عبد الرّحمن بن رجب البغداديّ الحنبليّ، مؤلّف كتاب طبقات الحنبليّة، وشمس الدّين محمد عبد القادر النّبليسيّ.
الزمن الذي عاش فيه
عاش ابن القيّم في زمن انتشرت فيه الفوضى والارتباكات الدّاخليّة، بالإضافة إلى التّهديد الخارجيّ الذي كان يُهدد الدّولة الإسلاميّة. رفض ابن القيّم هذا الانقسام ودعا إلى التّمسّك بكتاب الله وسنّة نبيّه عليه الصّلاة والسّلام، وكان هدفه تخليص النّاس من المعتقدات الباطلة، وتطهير الدّين من البدع، والعودة إلى أخلاق السّلف الصّالح.
كان ابن القيّم مُهتمًّا بالصّوفيّة، ويخاطب في كُتُبه المتصوّفيين وأمور القلب بشكل عامّ، والفضائل، وهكذا يتبيّن أنّ دور ابن القيّم شبيه إلى حدٍّ ما بدور الغزالي، قبل مئتي عام، في إعادة واكتشاف البعد الدّاخليّ للإسلام، مع مهمّة إضافيّة وهي إزالة البدع الجديدة التي أحدثها النّاس.
مكانته بين العلماء
لم يتقيّد ابن القيّم بالمذهب الحنبليّ وحده، بل كان يأخذ وجهات نظر مختلفة، ونبذ في منهجه التّقليد، مثل باقي العلماء. تولّى ابن القيّم التّدريس وإصدار الأحكام لسنوات عديدة، واستفاد جميع الأشخاص منه دون استثناء، وشهد له العلماء بالتّقوى والمعرفة، قال عنه ابن حجر العسقلانيّ: كان قلبه شُجاعًا، ومعرفته واسعة، وكان على دراية جيّدة بالاختلافات بين المذاهب الفقهيّة.
قال عنه ابن كثير: لقد كان ملتزمًا ويمتلك معرفة واسعة، وكان يصلّي ويقرأ القرآن كثيرًا، ويتّسم بطباعٍ ممتازة، وله عاطفة وصداقة عظيمة، ولم يَكن غيورًا أو حسودًا، ولم يُعرف أحدٌ في الشّام أكثر منه عبادة، وله أسلوب معيّنٌ في الصّلاة، فهي طويلة جدًّا.
قال عنه الملّا علي القاريّ: كلُّ من يحقّق في كتاب مدارج السّالكين سيصبح واضحًا له من هو ابن قيّم الجوزيّة، لقد كان من بين أقدم علماء أهل السّنّة والجماعة، ومن أولياء الله لهذه الأمّة
قال عنه الحافظ السّيوطي: أصبح ابن القيّم واحدًا من كبار العلماء في التّفسير، والحديث، واللّغة العربيّة، والفقه، والسّيرة، والتّاريخ، كما كتب الكثير من الشّعر.
بعد وفاة ابن تيمية، تميّزت هذه الفترة من حياة ابن القيّم بالكثير من السّفر، والتّعلم، والتّدريس، وذهب في العديد من رحلات الحجّ. إنّ صورة حياة ابن القيّم مُستمدّة من طُلّابه اللّامعين مثل: ابن رجب وابن كثير.
وفاته
توفّي ابن قيّم الجوزيّة في آخر وقت العشاء، في ليلة الخميس الثّالث عشر من رجب في سنة 751 للهجرة، وكان عمره بالكاد ستّين سنة، وكانت صلاة الجنازة في المسجد الأمويّ، ودفن في مقبرة باب الصّغير على سفح جبل قاسيون في دمشق، بالقرب من قبر والده رحمهما الله. وترك وراءه الكثير من الأعمال المكتوبة، مثل:
- شفاء العليل.
- مفتاح دار السّعادة.
- زياد المعاد في حيّ خير العباد.
- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
- تهذيب سنن أبي داود.
- الكلم الطّيب والعمل الصّالح.
- شرح أسماء الله الحسنى.
- إعلام الموقعين عن ربّ العالمين.
- الكتاب الكبير.