سُمِّي شهر شعبان بهذا الاسم، من الشَّعب؛ وهو الاجتماع، لأنَّه يجتمع فيه الخير الكثير كرمضان، وقيل لأنَّ العرب كانوا يتشعّبون فيه بالأرض لطلب الماء، وقيل لأنّه شَعَب بين شهري رمضان ورجب، ويهتم الكثير من المسلمين بمعرفة أحكام الصيام في شهر شعبان المبارك.
الصيام في شهر شعبان
وقد ذهب بعض العلماء، كابن بطّال إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إنّما كان يُكثر من صيام شهر شعبان؛ لانشغاله بسبب سفره، أو نحوه عن صيام الأيّام الثلاثة من كلّ شهر؛ فيصوم الأيّام التي فاتَته كلّها في شعبان.
وقِيل إنّ صيامه -عليه الصلاة والسلام- شعبان كان تعظيماً لرمضان، وقِيل إنّه كان يصوم مع زوجاته اللاتي كُنَّ يقضين ما عليهنَّ من رمضان في شعبان، وفي صومه -عليه الصلاة والسلام- تنبيهٌ للناس إلى فَضل شعبان؛ حتى لا يغفلوا عنه؛ لأنّه يأتي بين رجب، ورمضان.
كما أنّ الأعمال تُرفَع في شعبان، فيُرافق عَرْضها على الله صيام العبد، وفي صيام شعبان تدريبٌ للنَّفس، وإعدادٌ لها لصيام رمضان.
اقرأ أيضا: في أي سنة شرع شهر رمضان المبارك
حكم صيام نهار النصف من شهر شعبان
بحث المحقّقون من أهل العلم في الرّوايات التي تشير إلى فضل صيام النّصف من شعبان؛ فوجدوها أحاديث موضوعة وضعيفة، ولا تصلُح للاحتجاج، ولا ترقى إلى الصحّة بحال من الأحوال
لذلك فإنّ صيام نهار النّصف من شعبان تحديداً دون غيره غير مشروع، إذ لا يُوجَد ما يدلّ على صيامه تخصيصاً دون أيّام شعبان الأخرى، لكن صيام النّصف من شعبان يصبح مشروعاً ومندوباً إذا كان من غير تخصيص فالصيام في عمومه مُستحَبّ، ويتحصّل المسلم على أجر صيام يوم في سبيل الله -تعالى-.
والدليل على ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ، عزَّ وجلَّ باعدَ اللَّهُ وجهَهُ من جَهَنَّمَ، سبعينَ عامًا)، وصيام أيّام النِّصف من شعبان داخلة في صيام الأيّام البِيض من كلّ شهر، وقد أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة بصيامها، ويُعَدّ صيامها اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
حكم صيام النصف الثاني من شهر شعبان
يجوز للمسلم أن يصوم النصف الثاني من شهر شعبان على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكيّة، والحنفيّة، وقد استدلّوا بحديث عمران بن حصين أنّ: (رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ له، أَوْ لِآخَرَ: أَصُمْتَ مِن سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَومَيْنِ).
وهذا ما ذهب إليه مَن فسّرَ السُّرَر بمعنى: الوَسط، وخالفهم في ذلك الحنابلة؛ إذ ذهبوا إلى أنّ صيام النِّصف من شعبان مكروه؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا انتصف شعبانُ، فلا تصوموا حتى يكونُ رمضانُ).
بينما ذهب الشافعيّة إلى حُرمة صيام النصف الثاني من شعبان؛ لأنّ ذلك قد يكون سبباً في ضَعف العبد عن صيام رمضان؛ واستدلّوا بالدليل الذي استدلّ به الحنابلة نفسه.
اقرأ أيضا: أعمال يوم النصف من رجب
حكم صيام يوم الثلاثين من شعبان
- الحنفية: ذهب الحنفيّة إلى كراهة صومه إلّا أن يكون قد جُزِمَ بصومه بلا تردُّد أو شَكّ بين صومه وصومٍ آخر، كشكّه أنّه رمضان أم لا؛ فإن كان يوم الثلاثين هو أوّل يوم من رمضان كان ما صامه قد أجزأ عنه، ولا يكون صائماً إذا تردّد فيه بين أن يكون صائماً أو مُفطِراً، ويُكرَه عندهم صيام آخر يومَين من شهر شعبان.
- المالكية: يجوز عند المالكيّة صيام يوم الشكّ في حال كان الصائم مُعتاداً على سَرد أيّام صوم، أو أن يُصادف يوم الشكّ يوم صيام مشروع، كالاثنين والخميس، أو أن يصوم الشخص ما عليه من أيّام رمضان الفائت قضاءً، أو إن كان صيامه في ذلك اليوم صيام كفّارة يمين، أو نَذْر، وهذه هي الأحوال التي أجاز فيها المالكيّة صيام يوم الشكّ.
- الحنابلة: يُكرَه عندهم صوم يوم الشكّ؛ أي يوم الثلاثين من شعبان تطوُّعاً إلّا إذا وافق هذا اليوم يوماً كان مُعتاداً على صيامه، كأن يكون مُعتاداً على صيام يوم وإفطار يوم، أو صيام يومَي الاثنين والخميس فصادف أحدهما، أو صيام كفّارة، أو نَذْر.
- الشافعية: تحرم عندهم نيّة، وصيام يوم الشكّ، ويُستَثنى من ذلك أن يكون صيام الشخص لنَذْر في ذِمّته، أو لقضاء فَرض أو نَفل، أو اعتياده عليه، كصوم الاثنين والخميس، ونحو ذلك.
فضل صيام شعبان
يُعَدّ شعبان أحد الأشهر التي يغفل عنها الناس، ومن فضائل صيامه أنّه يكون مَخفيّاً؛ أي بين العبد وربّه، وذلك يُحقّق إخلاص العمل لله -تعالى-، ويُبعدُ الرياء عن ذلك، وهو أشقّ على النفس؛ لأنّ الذين يصومون هذه الأيّام ويتفطّنون لها قِلّة، وذلك يُوجِب الحصول على أجرٍ أعظم، والصيام في هذا الشهر قد يكون سبباً في دَفع عموم البلاء عن الناس.
ومن أهمّ فضائل صيام شعبان أنّ فيه إحياءً لسُنّة نبويّة مهجورة، وإحياءُ الأوقات المباركة التي يغفل عنها الناس بطاعة الله -تعالى.
والدليل على ذلك ما قالته السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (وما رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رَمضانَ، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شَعبانَ).
اقرأ أيضا: أحاديث عن صيام التطوع