إنّ المزاح في معناه اللغوي مُشتقّ من المزح، وهو مصدر الفعل مزَحَ، وهو الهزل والمداعبة التي هي نقيض الجد، وتتعدد أحكام المزاح في الإسلام وضوابطه التي تضبطه وتنظمه؛ لئلّا يكون الحبل على الغارب، ويكون من المزاح ما يفسد المجتمع ويُفكّكه.
أحكام المزاح في الإسلام
ألّا يكون فيه استهزاء بالدين
فإنّ ذلك -عند بعض الأئمّة- كالارتداد عن الدين، والله تعالى يقول في ذلك في سورة التوبة: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}.
ألّا يكون في المزاح كذب
فلا ينبغي للمسلم أن يقول إلّا الصدق، ولا ينبغي له الكذب وإن كان مزاحًا، ومن الناس من يكذب في المزاح ليُضحك بها جلساءه.
وقد حذّر منه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذ قال:”ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ بِه القومَ، ويلٌ لَه، ثُمَّ ويلٌ لَه” (( الراوي : معاوية بن حيدة القشيري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 7136 | خلاصة حكم المحدث : حسن )) وحسب المسلم هذا الوعيد ليرتدع عن تلك العادة.
كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يقول فيه: “أَنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن ترَكَ المراءَ وإن كانَ محقًّا وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن ترَكَ الكذبَ وإن كانَ مازحًا وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسَّنَ خلقَهُ”. (( الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : النووي | المصدر : تحقيق رياض الصالحين | الصفحة أو الرقم : 264 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ألّا يكون فيه ترويع للآخرين
فقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ترويع المسلمين، فيروي عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: حَدَّثَنا أصحابُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّهم كانوا يَسيرونَ مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في مَسيرٍ، فنام رَجُلٌ منهم، فانطَلَقَ بَعضُهم إلى نَبْلٍ معه فأخَذَها، فلمَّا استيقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فضَحِكَ القَومُ، فقال: “ما يُضحِكُكم”؟ فقالوا: لا، إلَّا أنَّا أخَذْنا نَبْلَ هذا ففَزِعَ.
وعندها قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم: “لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يُروِّعَ مُسلِمًا” (( الراوي : رجال | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 7658 | خلاصة حكم المحدث : صحيح )) وقوله -صلّى الله عليه وسلّم- لا يحل، يعني أنّه أمر ممنوع ومنهيٌّ عنه.
ألّا يكون فيه استهزاء بالآخرين
السخرية من الآخرين، ولو كانت مزاحًا، هي من الأمور التي نهى عنها الشرع، بل وغلّظ فيها، وفي ذلك يقول الله -تعالى- في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
عدم الاسترسال والإطالة فيه
ينبغي أن تكون سمة الجدّ هي السمة التي لها أن تكون غالبة على المسلم، وكثرة المزاح تُذهب الهيبة، وقد قال الإمام الغزالي رضي الله عنه: “من الغلط العظيم أن يتخذ المزاح حرفة”.
ألّا يكون فيه غيبة
فالغيبة عادةً ما تقود إلى النميمة، وهاتان إن اجتمعتا معًا تؤدّيان إلى الفتنة التي يحاربها الإسلام من أطرافها كافّة، ويحارب كذلك كل الطّرق التي تُفضي إليها.
ألّا يكون المزاح مع السفهاء
فقد ورد عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- أنّه أوصى ابنه فقال: “اقتصد في مزاحك؛ فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرِّئ عليك السفهاء”.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الضحك
أهداف المزاح المشروع
- أن يكون ذلك سببًا في زيادة الترابط الاجتماعي.
- الترويح عن النفس وتجديد النشاط وطرد الهموم.
- استلانة قلوب الآخرين وبالتالي سهولة الوصول إليهم.
- جبر القلوب ومعالجة ضعفها.
- استثارة الذكاء.
- تقوية البديهة.
- إشاعة الفرح والسرور ورسم الابتسامة على أفواه الآخرين.
اقرأ أيضا: أبرز هل تعلم عن الضحك
أثر المزاح في أفعال المكلفين
بعد الوقوف على بعض أحكام المزاح في الفقه الإسلامي فإنّ المقال يقف ختامًا مع بعض المسائل المختارة في المزاح، فإنّه ثمّ مسائل كثيرة متعلّقة بالمزاح، ولكن يقف المقال على بعض منها وهي الأكثر دورانًا في هذا الميدان، ومن تلك المسائل ما يأتي:
- المزاح في نية العبادات: إنّ المزاح في نية العبادة يبطلها؛ وذلك لأنّ النيّة هي شرط لصحة العبادات، والذي يمزح هو لم ينوِ العبادة على وجه الحقيقة، ولذلك فالعبادة لا تصح منه.
- المزاح في التصرفات المالية: فالتصرفات في الأمور المالية والأمور التي يغلب عليها شبهة التمليك لا بدّ لصحّتها من تمام الرضا، والذي يمزح هو ليس راضيًا بالحكم.
- انعقاد اليمين: فإنّ اليمين يصحّ من المازح؛ لأنّ ذلك أدعى لمنع التلاعب بأحكام الشرع، وسدًّا لذريعة تعطيل الأحكام، والله أعلم.