حالات جواز إجهاض الجنين شرعاً

اهتمّ الإسلام بالإنسان في جميع مراحل حياته، وفي مرحلة ما قبل الولادة أيضاً؛ إذ وضع أحكاماً دقيقةً لحفظ الأجنّة ومراعاة حرمتها وحقوقها؛ فشدّد على حرمة الإجهاض، ودعا لاحترام الجنين وحقه في الحياة، مع توضيح بعض حالات جواز إجهاض الجنين شرعاً إذا دعّت الضرورة والمصلحة لذلك.

حالات جواز إجهاض الجنين شرعاً

حالات جواز إجهاض الجنين شرعاًاتّفق جمهور الفقهاء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، والذي يكون بعد مئة وعشرين يوماً؛ لما ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ).

وقد اعتبروا أنّ إجهاض الجنين بعد نَفْخ الروح فيه قتلاً للنّفس، وأكّدوا على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح حتى وإن شكّل بقاء الجنين خطراً على أمّه، ولكن هناك بعض حالات جواز إجهاض الجنين شرعاً التي تناولها الفقهاء مثل:

الخوف على حياة الأم

اتّفق أهل العلم على جواز إجهاض الجنين في المرحلة الأولى من الحمل؛ أي قبل تمام الأربعين يوماً في حال كانت في إجهاضه مصلحة شرعية، أو دفع ضررٍ، بشرط توفّر تقرير لجنة طبية موثوقة تؤكّد فيه أنّ في استمرار الحمل خطراً على حياة الأم، وذلك بعد استنفاد كافّة الوسائل المتاحة لتلافي الأخطار.

أما إن نُفِخت الروح في الجنين، فقد تعدّدت آراء أهل العلم في حكم الإجهاض للضرورة، وبيان آرائهم فيما يأتي:

فقهاء المذاهب الأربعة

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، إضافةً إلى الظاهرية إلى حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح لأي سبب من الأسباب؛ كاعتراض جنين في بطن أمه بحيث يستحيل إخراجه إلّا بتقطيعه أرباعاً، وحياة أمه في خطر إن لم يفعل الأطباء ذلك، فكان جواب الفقهاء بجواز العملية إن كان الطفل ميتاً، أما إن كان حياً فلا يجوز إجهاضه؛ لأنّ إحياء نفس بقتل أخرى لم يرد في الشّرع.

استدلّ الفقهاء على قولهم بالعقل والقياس:

اقرأ أيضا: هل يمكن أن يتوقف نمو الجنين ثم يعود

بعض الفقهاء المعاصرين

خالف فريق من الفقهاء المعاصرين، ومنهم: الدكتور صالح الفوزان، والدكتور عبدالفتاح محمود إدريس، والدكتور عباس شومان قول الجمهور، وذهبوا إلى جواز بل وجوب إجهاض الجنين في حال تأكّد الخطر على حياة الأمّ عند استمرار الحمل.

جاء في كتاب (كشف الأسرار): “إذا خاف تلف النفس أو العضو جاز له الترخص بالمحرم لصيانة النفس أو العضو من التلف”، كما ورد في (فتح القدير): “ولأن الجنين بحكم الأعضاء، بدلالة أنه لا يكتمل أرشه، والأعضاء لو انفصلت بعد الموت لا تقوم”.

واستدلّ الفقهاء المعاصرون على رأيهم بالقواعد الفقهية الكلّية، والقياس، كقاعدة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)، وقاعدة (إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما بارتكاب أخفّهما)، وقاعدة (ارتكاب أخفّ الضررين، وأخفّ المفسدتين عند اجتماعهما)، وقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)،

وبناء على ما سبق من القواعد، فقد جازت التضحية بالجنين لإنقاذ حياة الأم؛ فهي الأصل والجنين الفرع، إضافةً إلى أنّ الأم استغرقت في حياتها؛ فهي عماد الأسرة، فلا تصحّ التضحية للحفاظ على جنين لم تستقلّ حياته، بل لم تتأكّد بعد؛ ذلك أنّ حياة الأمّ قطعيّة، بينما تُعدّ حياة الجنين مُحتمَلة.

ويُشار إلى أنّهم استدلّوا على جواز إجهاض الجنين للضرورة بالقياس على مسألة الاقتصاص للابن من والده؛ فقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يُقادُ الوالدُ مِن ولدِه).

وقد أكّد أهل العلم القائلين بجواز الإجهاض للضرورة على اشتراط وجود طبيبين مختصّين أو أكثر؛ للتأكّد من أنّ بقاء الجنين سيؤدّي حتماً إلى وفاة الأمّ.

اقرأ أيضا: أشياء تسبب الإجهاض

تعرّض الجنين لتشوهات شديدة

أجمع أهل العلم على عدم جواز إجهاض الجنين بسبب التشوّهات بعد مرحلة نفخ الروح؛ لأنّه أصبح نفساً يعدّ قتلها جريمة محرمة، بينما اختلفوا في حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه بسبب التشوّهات الشديدة التي قد تؤثر فيه عقلياً وحركياً، فتمنعه من ممارسة حياته بعد الولادة بشكل طبيعي:

ذهب فريق من الفقهاء المعاصرين، ومنهم: الشيخ محمود شلتوت، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ وهبة الزحيلي، ومجمع الفقه الإسلاميّ في مكّة المكرّمة إلى جواز إسقاط الجنين في حال تعرّضه لتشوّهات شديدة غير قابلة للعلاج، ممّا يمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعيّ، الأمر الذي يسبّب الحزن والألم له ولأهله، إضافةً إلى أعباء رعايته والاعتناء به.

بينما ذهب الفريق الآخر إلى حرمة إسقاط الجنين بسبب التشوّهات؛ لأنّ أغلب أخبار الأطبّاء مُجرّد ظنون، كما أنّ الأصل احترام الجنين وتحريم إجهاضه.

اقرأ أيضا: ما تحتاج معرفته عن عملية الإجهاض

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4

Exit mobile version