أبيات شعر أصبحت مضرب للأمثال

الشِعر، والأدب بصفةٍ عامة؛ يُعتبر مرآةً لثقافة المجتمع الذي يُنتجه، حيث أنَّ لكلِّ زمانٍ شعراؤه، ولكلِّ أمةٍ أدباؤها، كما أنَّ وظيفة الشِعر، تختلف أيضاً باختلاف الزمان، ولكن الثابت في كل عصر أنَّ الشعر يدور على الألسنة، فيصبح جزءاً من الموروث الشعبي، يستخدمه الناس في حياتهم اليومية، ولذلك تكثر أبيات شعر أصبحت مضرب للأمثال وبمثابة حكمة حياتية.

أبيات شعر أصبحت مضرب للأمثال

أبيات شعر أصبحت مضرب للأمثاللعل جملة “وهل يخفى القمر” من أشهر الجمل التي نسمعها ونرددها في حياتنا اليومية عند التعبير عن شخص لا يمكن لأحد ألا يعرفه، وهذا المثل شطر من بيت شعر في قصيدة لعمر بن أبي ربيعة، وهو من شعراء المدينة المنورة المولود سنة ثلاث وعشرين للهجرة، غير أن الرجل كان صاحب شعرٍ غزلي صريح سافر وجاء هذا المثل في قصيدة له يصف فيها مشهداً لثلاث فتيات رأينه وأعجبن بوسامته، فقـال:

قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى

قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها

قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر!

وقد قيل أن عمر بن أبي ربيعة وُلد في ذات اليوم الذي استشهد فيه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه – فقال الحسن البصري في ذلك أي حق رُفِعَ وأي باطل وُضِعَ! ورددها الناس من بعده كلما تعجبوا من مجيء عمر بن أبي ربيعة الشاعر الصريح إلى الدنيا يوم ذهاب رمز العدل الفاروق عمر بن الخطاب.

وتُعتبر جملة “ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ” من أبرز الأمثال التي نُرددها تأكيداً منا على ضرورة الاعتماد على النفس، وأن ما من أحد يشفي غليل الإنسان في قضاء حوائجه مثل ذاته، وورد هذا المثل شطراً من بيت للإمام الشافعي، وقد كان صاحب حكمة عظيمة في شعره، والأبيات تقول:

ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ

فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ

وإذا قصدْتَ لحاجَةٍ

فاقْصِدْ لمعترفٍ بقدْرِكْ

ومن أكثر الشعراء الذين تحولت أبيات شعرهم أمثالاً عبر العصور أبو الطيب المتنبي، فلطالما كانت قصائده تقطر بالحكمة ومن أبياته التي ترددت حتى غدة أمثالاً:

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ

تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي السَّفَنُ

وقوله:

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ

وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

وقوله أيضاً:

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ.

ومن الأبيات التي أصبحت مثلاً لتكرارها أبيات لمَعْن بن أَوس تقول: “أعلمه الرماية كلَّ يومٍ فَلمَّـا ولمَّا اسْتَدَّ ساعده رماني”، وقد تستغرب كلمة استد وهذه إحدى روايات البيت استد من السداد في الرمي أي قد حسن التسديد نحو الهدف ويذكر البيت مثلاً فيمَن يقابل الإِحسانَ بالإساءة ومن تعلم من شخص شيئاً واستخدم هذا العلم ضد معلمه ونكمل الأبيات برواية أخرى:

أُعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ

فَلمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي

وَكَمْ عَلَّمْتُـهُ نَظْمَ القَوَافي

فَلمَّا قَالَ قَافِيةً هَجانِي.

اقرأ أيضا: الشعر العربي والتعبير عن الذات

حكم وأمثال من الشعر

يُحكى أن أعرابياً تزوج، لكنه رأى من زوجته قبحاً لم يعرفه فيها قبل الزواج، لكثرة ما استخدمت من العطور، والثياب، والحناء، فأغوته، لكنه عندما اكتشف الحقيقة، قال قولته الشهيرة:

عَجوزٌ تُرجّى أنْ تَكونَ فَتيَّةً

وَقَد نَحَلَ الجَنبانُ و احدَودَبَ الظَّهرُ

تَدُسُّ إلى العَطّارِ تَبغي شَبابَها

وَهَل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَ الدَّهرُ؟

يقول قراد الطائي في أحد أبياته التي طالما جرى تداوله والاستشهاد به بين الأوساط السياسية والتعليمية والثقافية. والمعنى واضح إذا تذكر الإنسان أن الناظر هو المنتظر والمتطلع للمستقبل:

فإنْ يَكُ صَدرُ هذا اليَومِ ولَّى فإنَّ غّداً لناظِرهِ قّريبُ

يقول أبو الطيب المتنبي عن التطلع للأمور العظيمة:

إذَا غَامرْتَ فِي شَرَفٍ مَّرُومِ

فَلا تَقنَعْ بمَا دُونَ النُّجومِ

فَطَعْمُ الموتِ فِي أَمرٍ حَقِيرٍ

كَطَعْمِ الموتِ فِي أَمرٍ عَظِيمِ

ويقول أبو العتاهية عن انصراف زمن الشباب، والتقدم في العمر:

بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني

فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ

فَيا أَسَفاً أَسِفتُ عَلى شَبابٍ

نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ

عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضَّاً

كَما يُعرى مِنَ الوَرقِ القَضيبُ

فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً

فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ

ومن أشهر أبيات سَلْمُ بن عمرو بن حمّاد (الخاسر) التي أصبحت حكمة شائعة بين الناس:

مَن رَاقبَ النَاسَ ماتَ همَّاً وفَازَ باللَّذةِ الجّسورُ

ومن الأمثال التي يشتمل عليها شعر أبو تمَّامْ:

نّقِّلْ فُؤادكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى

ما الحُبُّ إلا للحَبيبِ الأَولِ

كمْ منزل في الأرضِ يَألفهُ الفَتَى

وحَنينُه أبداً لأولِ منزلِ

كما اشتهر قول أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، وأصبح من أعظم الحكم والأمثال في تقلب الدهر، وتغير أحوال الدنيا:

لكلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمَّ نُقصانُ

فَـلا يُـغَرَّ بِـطِيبِ الْعَيْشِ إِنسانُ

هِـيَ الأمـورُ كَما شاهَدتها دُولٌ

مَـنْ سَـرَّهُ زَمـنٌ سَـاءَتْهُ أَزْمَانُ

وهَـذهِ الـدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ

ولا يَـدُومُ على حَالٍ لَهَا شَانُ

ومن أعظم أبيات الشعر التي استخدمها الناس كحكمة ومثل شعبي رغم عدم معرفتهم بقائله سبط بن التعاويذي:

وَقالوا اِستَبانَت يا اِبنَ عُروَةَ ابنَتُكَ

فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ في حَقِّهِ نَقصُ

إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولعاً

فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ

ومن أبيات الشعر التي أصبحت حكمة حياتية، وجرى تداولها في السنوات الأخيرة قول أبي القاسم الشابي:

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ

فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي

ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

اقرأ أيضا: أجمل أبيات الشعر العربي في الحكم

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2

Exit mobile version