آداب النظر في الإسلام
تتعدد آداب النظر في الإسلام حيث يُعدّ النظر من أجلِّ نِعَم الله تعالى على خلقه، وقد حثَّنا جلَّ جلاله على الإفادة من هذه النعمة الكبرى بإمعان النظر فيما حولنا من معالم الحياة وأحداثها؛ لاستنباط مدلولاتها النافعة، واستخلاص العبر النافعة منها، واجتناب النظرة الفاسقة، التي تُثير الغرائز، وتطلق عِنان الشهوات، كما ينهى عن النظرة المتطَفِّلة التي تَقْتحم على الناس أسرارهم، والنظرة الحاسدة الحاقدة، التي تَستكثر نعم الله تعالى على عباده.
آداب النظر في الإسلام
أمر الله -عزّ وجلّ- بغض البصر في قوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، ويظهر من هذه الآيات الكريمات أنّ الأمر بغض البصر موجّه للرجال والنساء، فآداب النظر في الإسلام عامة تشمل كلا الجنسين.
وقد أخبر الرسول الكريم أنّ إطلاق النظر هو تعدّي على حقوق المؤمنين وأنّ هذه الحقوق ستُعاد إلى أهلها يوم القيامة، ومن مخاطر إطلاق البصر أنّه سبب لوقوع الزنا والفواحش، التي نهى عنها الله ورسوله، أمّا النظرة الفجائية فلا بأس بالنظرة الأولى مع ضرورة عدم اتباعها بأخرى؛ كي لا يقع المسلم في المحظور وتلحقه الذنوب والخطايا.
وهناك آداب للنظر إلى المحارم، والمقصود بالمحارم هي كل امرأة حرمت عليك حرمةً مؤبَّدة، مثل الأم والبنت والأخت والعمة والخالة، وبنت الأخ والأخت، وأم الزوجة، وزوجة الابن، وهكذا. فيجوز أن تنظر من ذوات المحارم إلى ما يظهر منهن غالباً كالرأس والرقبة والكفين والقدمين، ويحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة، ولا يليق بالمسلم أن ينظر إلى الصدر والبطن والظهر، لأن الحاجة لا تدعو إلى ذلك، ولا يليق بأصحاب الشهامة والرجولة وأصحاب العفة أن ينظروا إلى ذلك، درءاً للفتنة وسداً للذريعة.
أما آداب النظر في الإسلام إلى المرأة الأجنبية التي ينوي خطبتها فهي على النحو التالي: أن ينظر إلى الوجه والكفين فقط بعد عزمه على الزواج، وأن يوجد معه أحد محارمها، لأنه لا يجوز الخلوة بها، ويجوز أن يكرِّر النظر إليها إلى ثلاث مرات للضرورة، بينما لا يجوز مصافحتها لأنها أجنبية عنه قبل إجراء العقد عليها، بينما لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية التي لا ينوي خطبتها، ولو كانت غير مشتهاة، من غير ضرورة، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
بينما آداب النظر في الإسلام إلى الزوجة، فيجوز للرجل أن يرى من زوجته كل شيء بشهوة أو بغير شهوة، والأفضل في حق الزوجين أن لا ينظر أحدهما إلى عورة صاحبه، لقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (مَا نَظَرْتُ أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ).
ولا تخلو نظرة الرجل للرجل من آداب أيضًا، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل، وعورة الرجل للرجل من السرة إلى الركبة، سواء كان الرجل المنظور إليه قريباً أم بعيداً، فيحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل بشهوة أو بغير شهوة، أما ما عدا العورة فإنه يجوز النظر إليها بغير شهوة، وإلا حرم ذلك وخاصة إذا كان أمرداً.
كما لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، وعورة المرأة المسلمة للمرأة المسلمة ما بين سرتها إلى ركبتها، سواء كانت قريبة أم بعيدة، فيحرم على المرأة أن تنظر إلى فخذ المرأة ولو كانت ابنتَها أو أختَها أو أمَّها، فيحرم نظر المرأة المسلمة إلى عورة المرأة المسلمة من سرتها إلى ركبتها بشهوة أو بغير شهوة، وأما ما عدا العورة فإنه يجوز النظر إليه من غير شهوة وإلا حرم النظر كذلك.
أما بالنسبة للمرأة الكافرة فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف أمامها إلا الوجه والكفين، لأن عورة المرأة المسلمة أمام المرأة الكافرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وبعض الفقهاء قال: كلها عورة أمام المرأة الكافرة، وذلك لقول الله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النور
ثمرات غض البصر
إنّ المقصود من غض البصر في الإسلام هو حجب البصر عن النظر إلى الحرام، ولا يعني أن يغض الإنسان بصره مطلقًا، وقد بيّن الطبري رحمه الله- ما هو غض البصر في الإسلام بقوله: “يكفّوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، ممّا قد نهاهم الله عن النظر إليه.
فغض البصر هو: “أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطِّلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، كما أنّ فيه إغلاقٌ للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم”، وتتمثل فوائده على الفرد والمجتمع فيما يأتي:
- طاعة لله -سبحانه- وامتثال لأوامر رسوله، وهو من أعظم أسباب حفظ الفرج وتجنّب الوقوع في الزنا.
- سبب للحكمة والفراسة وينوّر البصيرة والقلب ويقيه من الشهوة المَرَضية، وفيه شكرٌ لله على نعمة البصر العظيمة، وتزكية للنفس وسمّو بها نحو المعالي.
- غض البصر من الخُلُق الحسن المؤدي إلى ازدياد محبة الله في النفس، وهو من صفات ذوي الموءة إذ فيه بُعد عن الفتن والغواية.
- حماية وحفظ للمجتمعات والأمم من الوقوع في أوحال الرذائل والفواحش وتجنّب الويلات الناجمة عن استشراء هذه المنكرات فيها.
اقرأ أيضا: فائدة الصمت في الإسلام