اشتملت سورة المائدة على موضوعات عدة منها: المسائل العقيدة الصحيحة، وتنظيم علاقة المسلمين مع غيرهم، وبيان الأحكام الشرعية؛ لذلك يهتم الكثير من المسلمين بالتعرف على معاني آيات سورة المائدة وخاصةً معنى آية وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق وما تُرشد إليه من فوائد عظيمة.
معنى آية وأن تستقسموا بالأزلام
قال القرطبيّ في تفسيره لقوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ}، الكلام معطوف على ما قبله، والمصدر المؤوّل في محل رفع معطوف، أي: وحرّم الله عليكم الاستقسام، والأزلام قداح الميسر، مفردها الزَّلَم والزُّلَم، وقوله: {ذلِكُمْ فِسْقٌ}، أي: الاستقسام بالأزلام فسق، والفسق هو الخروج من الحلال إلى الحرام.
والمقصود بقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}، أي: أصابهم اليأس والقنوط من عودتكم إلى دينهم وكفّرهم كفّارًا، قوله: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}، أي: أيّها المسلمون! لا تخافوا المشركين وخافوني، فأنا وليّكم في الدّنيا والآخرة.
قال الشّيخ محمّد الحسن الدّدو الشّنقيطي: كان من عادة أهل الجاهليّة الاستقسام بالأزلام، أي يطلبون حاجتهم وقسمتهم باعتمادهم وتوكّلهم على هذه السّهام، وقد كتبوا على بعضها الأمر بالفعل، وعلى الآخر النّهي عن الفعل، والثّالثُ فارغًا، ويضعونها في وعاء، وتكون هذه السّهام عند صاحب حرفة أو مهنة، أي ليس كلّ واحد منهم يقوم بهذا العمل، فمن عزم منهم على عمل ما، كالسّفر أو الزّواج أو التّجارة يأتي إلى من يقوم بمهنة الاستقسام بالأزلام ويعرض عليه حاجته.
ثمّ يقوم ذلك الرجل برمي السّهام قائلين ببركة الإله فلان وهو صنم، أو ما شابه ذلك، وعندما يقع السّهم، يقرؤون ما ظهر منه من كتابة، فإن كان الأمر، تابعوا العمل الذي عزموا على القيام به، وإن كان النّهي، تركوه إلى غيره.
وهذه الأمور من أعمال التنبؤ بالغيب والطّيرة، وهي من أعمال الجاهليّة، وهي محرّمة في كتاب الله وفي سنّة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وبيّن الله تعالى في كتابه بأنّها فسق، والفسق كفر دون كفر، وهي تشبه اليوم المنجّمين والعرّافين، وضرب التّراب والرّمل، ومن يعمل به؛ فإنّه يبطل بعض عباداته، وتردّ شهادته، ويفسق به.
اقرأ أيضا: معنى آية وهدوا إلى الطيب من القول
إعراب آية وأن تستقسموا بالأزلام
- وأن: الواو حرف عطف، أنْ: حرف مصدريّ ونصب.
- تستقسموا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
- بالأزلام: الباء: حرف جرّ، الأزلام: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ “تستقسموا”.
- والمصدر المؤوّل “أن تقتسموا” في محلّ رفع معطوف على الميتة.ذا: اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، واللّام: للبعد، والكاف للخطاب.
- فسق: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- اليوم: مفعول فيه ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّقان بـ “يئس”.
- يئس: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضّمة.الذين: اسم موصول مبني في محلّ رفع الفاعل.
- كفروا: فعل ماض مبني على الضمّ..، والواو: ضمير متّصل مبني في محلّ رفع فاعلًا.
- من دينكم: حرف جرّ، اسم مجرور بمن وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ “يئس”، و “كم” ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- فلا: الفاء: رابطة لجواب شرط مقدّر، لا: ناهية جازمة.
- تخشوا: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون..، والواو: ضمير متّصل مبني في محلّ رفع فاعلًا، و “هم”: ضمير متّصل مبني في محلّ نصب مفعولًا به.
- واخشونِ: الواو: حرف عطف، اخشوا: فعل أمر مبنيّ على حذف النون..، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعلًا، والنّون: للوقاية، ومفعول اخشوا محذوف هو ضمير المتكلّم أي: اخشونِي.
اقرأ أيضا: معنى آية فلنولينك قبلة ترضاها
فوائد من آية وأن تستقسموا بالأزلام
يُستفاد من آية وأن تستقسموا بالأزلام العديد من الفوائد والثمرات، ومنها ما يأتي:
- حرمة الاستقسام بالأزلام؛ لأنّ ذلك من أعمال الجاهليّة، ومن الشّرك بالله تعالى، وهو فسق، أي كفر وخروج عن منهج الشّريعة الحنيفة، ومن سلّم نفسه لأمثال هؤلاء المشعوذين؛ يصبح ألعوبة في أيديهم.
- تحريم الخشية من الكفّار والمشركين، التي يترتّب عليها المداهنة في دين الله تعالى، إنّما تكون الخشية من الله تعالى، فهو المعطي والمانع، والمحي والمميت.
- الفرق بين الخشية والخوف، فتكون الخشية عن علم من المخشيّ منه، بينما لا يلزم الخوف أن يكون عن علم، والخشية تدلّ على عظم المخشيّ منه، بينما الخوف يدل على ضعف الخائف لا على عظمة المخوف منه.
- التّمسّك بشرع الله بكل قوّة وعزّة، لأنّ متى يئس الكفّار من المشركين، من ردّة المسلمين إلى الكفر، يترتّب على المسلمين ألّا يلتفتوا إليهم وألّا يخافوهم.
اقرأ أيضا: معنى آية وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة