إنَّ سورة النساء من السور المليئة بالدروس والعبر والحِكم الفريدة، التي يقف العبد عندها لينال ويأخذ من هذه التشريعات، وبهذه السورة الكريمة استطاعت المرأة أن تحفظ عليها دينها وشؤونها لمعرفتها بعضًا من أحكامها جُملة وتفصيلًا، ويهتم الكثيرون بالتعرف على معاني آيات سورة النساء وخاصةً معنى آية محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان وما تُرشد إليه من فوائد وهدايات بالغة الأهمية.
معنى آية محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان
فسّر ابن كثير قوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} أي هنَّ الزواني اللاتي لا يمنعن أي أحد يريد أنْ يوقع بهن فاحشة الزنا، {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} أي أخلاء، وقال في ذلك البصري: أنَّ الأخدان: الأصحاب.
قال القرطبي في تفسيره: أنَّ المسافحات: هنَّ الزوان اللاتي يعلن الزنا؛ فقد كان في الجاهلية الزنا على العلانية وكانوا يعرفون بوضع رايات منصوبة، وكانوا يقومون بتحريم ما ظهر من الزنا ويبحون ما خُفي منه، وقيل: المسافحة: هي البغيُّ التي تؤاجر بنفسها لكل من عَرَض لها، و “ذات أخدان”: هي ذات الخليل والصاحب الواحد، فنزلت الآية الكريمة لتكون سببًا في النهي عن النّكاح لهذه النساء.
ورد عن الشعبي أنَّه قال: “الزنا وجهان قبيحان، أحدهما أخبث من الآخر، فأما الذي هو أخبثهما: فالمسافحة، التي تفجر بمن أتاها، وأما الآخر: فذات الخِدن”، هذا وإنْ كان هذا الفعل قريبًا من الزواج؛ إلا أنّه سبب في اختلاط الأنساب وضياع المرؤة وهذا مما كانت عليه الجاهلية.
ومما جاء في تفصيل الآية الكريمة على قول أكثر أهل التفسير: أنها جاءت في حق من لم يستطع الزواج من الحرائر؛ جاز له الشرع النكاح من الأمة المؤمنة لقوله تعالى: {فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}.
وقد اختلف العلماء في المسألة على أنْ القول بالجواز لا بدَّ له من شرطين: الأول منه أن لا يجد الرجل الحر مهرًا للحرة، وثانيها أنْ يكون خائفًا على نفسه من العنت أي الزنا، فيكون عندها النكاح جائزٌ له، بعد أخذ الإذن من أهلها، وإعطاءها للمهر عن طيب نفس لقوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
ومن شروط نكاح الأمة أنْ تكون محصنة: أي عفيفة، وليست من الزواني ولا اتخذت صاحبًا وخليلًا للزنا سرًا؛ كما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}.
والمعنى على ذلك: أنّه من لم يستطع من معشر المؤمنين الأحرار أنْ يكون لديه زيادة في ماله تمكنه منْ أن ينكح الحرائر المؤمنات، ففي هذه الحالة له أنْ ينكح الإماء المؤمنات اللاتي هن مملوكات عند غيركم.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الصبر هنا واجب لقوله تعالى: {وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فمن استطاع أنْ يصبر لينكح الحرة فعليه بذلك؛ حتى لا يدخل في مسألة رِق الأولاد؛ لأن الأولاد يكونوا تبعًا للأمة وهذا مما يجعل الأولاد مماليك عند سيدها، ومن لم يستطع وخاف من الوقوع بفاحشة الزنا فلا حرج عليه بنكاح الأمة المؤمنة مع كمال الشروط.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
فوائد من آية محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان
- إنَّ الزواج الشرعي هو أحد الأهداف السامية في حياة كل من الشاب المسلم والفتاة المسلمة؛ ولذلك عليه أنْ يكون ذا علاقة شرعية مباحة.إنَّ المرأة يجب أن تقف عند حدود الله -عزّ وجلّ- في كل أمرِِ من أمور حياتها؛ حتى تنال بذلك رضى الله -عزّ وجلّ- والفوز بجنانه.
- إنَّ الفواحش تتعدى إلى ظاهرة وباطنة؛ ولا تقتصر على الرجل بل إنَّ المرأة قد تكون سببًا لفعلها.إنَّ المرأة عليها أنَّ تكون صاحبة عفاف وحياء، بعيدة كل البعد عن أشكال الحرام، فعليها أنْ لا تتخذ من الرجل خليلًا لأنّه سيكون طريقها إلى نار جهنم.
- إنَّ فاحشة الزنا من أكبر الكبائر في الشرع الإسلامي؛ وهي مما يعاقب فاعلها بالرجم والحد؛ فلذلك على الرجل والمرأة البعد عن مثل هذه الفواحش.
- إنَّ شرط العفة ليس متوقفًا على المرأة بل على الرجل أيضًا؛ فكما أنَّ على المرأة أن تكون محصنة غير مسافحة، فبالمقابل على الرجل الحر أنْ يكون محصن عفيف لا يتخذ خليلةً للوقوع في الحرام.
- إنَّ باب التوبة مفتوح لكل إمرأة ورجل وقعا في الحرام؛ فمن يفعل الفواحش ويتوب إلى الله -عزّ وجلّ- فإن الله يقبل توبته النصوحة.
- إنَّ تحريم العلاقة بين الرجل والمرأة ما هو إلا لمنع الوقوع في الزنا واللعان ومنع الوصول بالمجتمع إلى الفساد الكبير والبلاء العظيم.إنَّ الصبر والانشغال بالعبادات والطاعات، قد يكون طريقًا للبعد عن الحرام والوقوع في الزنا، فقد يصبر العبد حتى يأخذ الحرة المؤمنة لا الأمة المؤمنة.
اقرأ أيضا: معنى آية وعندهم قاصرات الطرف عين