الصيام هو الإمساك نهارًا عن المفطرات بنيّة ممّن هو أهلٌ للصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويُعتبر صيام رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد ورد في القرآن الكريم آياتٌ تتحدث عن الصيام وأحكامه، ويهتم الناس بمعرفة معاني هذه الآيات، وخاصةً معنى آية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين الواردة في سورة البقرة.
معنى آية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
إنّ معنى آية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أي أنّ الله فرض عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان. فمن كان منكم مريضًا يشق عليه الصوم، أو مسافرًا فله أن يفطر، وعليه صيام عدد من أيام أُخَر بقدر التي أفطر فيها، وعلى الذين يتكلفون الصيام ويشقُّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير، والمريض الذي لا يُرْجَى شفاؤه، فدية عن كل يوم يفطره، وهي طعام مسكين، فمن زاد في قدر الفدية تبرعًا منه فهو خير له، وصيامكم خير لكم -مع تحمُّل المشقة- من إعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في معنى آية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أنها تعد مثالًا في منهج الشريعة في تدرّج أحكامها، فلمّا نزل حكم الصيام في أول الأمر، كان للمسلم الخيار بين الفدية والصوْم.
ونبّة الله عز وجل على أنّ حكم فرضية الصوْم واقع على المسلمين في قادم الأمر، وذلك استدلالًا بقوله -تعالى- بأن الصوم خير وأفضل من الفدية، إلى أن تعوّد المجتمع المسلم على شريعة الصوم، نزل الأمر بفرضية الصوم، دون ذكر جزئية الفدية في آية فرض الصوْم، باعتبار أنّ الصوم هو الفرض ولا بديل لفدية لمن يستطيع الصوْم، إّلا في حالة من لا يطيقه فعليه حينئذ الفدية.
اقرأ أيضا: معنى آية إن الذي فرض عليك القرآن
تفسيرات العلماء لآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
قال الإمام ابن كثير تعددت الأقوال في تأويل الآية الكريمة عند الصحابة رضوان الله عليهم، ومن هذه الأقوال:
- روي عن معاذ بن جبل أنّ الصيام كان بالتخيير، من شاء صام ومن شاء أفطر، ويترتب على الإفطار إطعام عن كل يوم مسكينًا.
- روي عن ابن عمر بأن الصيام كان بالتخيير إلى أن نزلت الآية الّتي تليها، فنسخت الآية، وأصبح صيام الشهر لازمًا.
- روي عن ابن عبّاس بأن الآية الكريمة ليست منسوخة وإنما هي تخص كبار السن الّذين لا يستطيعون الصوم فيطعمون عن كل يوم مسكينًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، ثُمَّ ضَعُفَ فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا”.
وذهب ابن كثير بأن النسخ حاصل في حق المقيم في البلاد، الصحيح، فيجب عليه الصوم، أما كبير السن الذي بلغ الهرم، فله أن يفطر ولا قضاء عليه، وفيما يخص إذا ما كان عليه قضاء، فيه قولان، وهما:
- القول الأول: وهو أحد قولي المذهب الشافعي: لا يجب عليه الإطعام، لأنه ضعيف عن ذلك بسبب سنّه، فلا يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها.
- القول الثاني: وهو الّذي عليه أكثر العلماء: بأنّ عليه إخراج فدية عن كل يوم أفطر فيه، وقال بهذا القول الإمام البخاري، لما ورد عن أنس بن مالك أنّه كان قد أطعم عامًا -أو عاميْن- عن كل يوم أفطره.
ومما يلحق حكمه بالشيخ الكبير: الحامل والمرضع، في حالة خوفها على نفسها أو على أولادها، فتفرقت الأقوال على: الجواز بالإفطار مع القضاء والفديْة، وقيل بالفداء فقط لا غير، وقيل بالقضاء فقط، ومنهم من قال بعدم وجوب الفدية أو القضاء في حقهنّ.
ونقل الإمام فخر الدين الرازي الاختلافات الواردة في تأويل الآية الكريمة، وهي:
- القول الأول: وهو قول الأصمّ، أنّه يقصد بها المسافر والمريض إن كانا لا يقدران على الصوم، فيترتب عليهما القضاء، وإنا كانا قادرين على الصيام، فيكون حينها مخيّرًا ما بين الصوم والإفطار، فإذا أفطر فعليه الفدية.
- القول الثاني: يقصد به المقيم، غير المريض، فكان مخيّر بين الصيام وعدمه، إلى أن تم نسخ حكم الآية، فوجب الصيام في حقّه، وأكثر المفسّرين والفقهاء على هذا القول، واختاره الشافعي
- القول الثالث: نزلت الآية الكريمة في حق كبير السن، وتأويل ذلك من وجهيْن، الوجه الأول: فقالوا بأن السعة فوق الطاقة، فالسعة، اسم لمن كان قادرًا على الشيء دون مواجهة الصعوبة، أمّا الطاقة اسم لمن كان قادرًا على الشيء مع صعوبة ذلك عليه، الوجه الثاني: فمقصود “وعلى الّذين يطيقونه” أي المقدرة على الصوم مع المشقة.
أورد الإمام القرطبي تأويلا اهل العلم في تفسير الآية، ورجّح منها، وهي كالتالي:
- القول الأول: قال فريق من العلماء بأنّ الآية منسوخة، فكان حكمًا واردًا أول ما فُرض الصيام، فكان الصيام شاقًّا حينئذ، فخيُّروا بين الصوم والفدية.
- القول الثاني: وهو قول ابن عباس أنّها نزلت في الشيوخ، فلهم دفع الفدية، إلى أن نُسخت الآية، فخصصت الفدية فقط للشيوخ الذين لا يقدرون على الصوْم، وفي قول آخر عن ابن عبّاس أن الآية للحامل والمرضع إذا ما خافتا على أنفسهما أو على اطفالهما، فلهما الفدية، وأخرج الدارقطني في رواية أخرى عن ابن عبّاس بأن الآية غير منسوخة، ورجّح الإمام القرطبي قول ابن عبّاس القائل بعدم نسخ الآية، وأنّها محكمة في حق كبير السن والحامل والمرضع.
اقرأ أيضا: في اي سنة شرع شهر رمضان المبارك