معنى آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون
سُمّيت سورة يس بهذا الاسم نسبة إلى الحروف المُقطّعة الواردة في بدايتها، وترتيبها من حيث النزول 41 وقد نزلت بعد سورة الجن وقبل الفرقان، وقُدِّرَ عدد آياتها عند جمهور الأمصار 82 آية، وعند أهل الكوفة 83 آية، وفي هذه السورة وردت آية يقول فيها الله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}، ويبحث الكثيرون عن معنى آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون وما تُرشد إليه من فوائد وهدايات.
معنى آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون
إنّ معنى آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون أي كانت عقوبتهم صوتًا واحدًا، تكلم به بعض ملائكة اللّه، فتقطّعت قلوبهم في أجوافهم، وانزعجوا لتلك الصيحة، فأصبحوا خامدين، لا صوت ولا حركة، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح، وتجبرهم عليهم.
تحكي هذه الآية العذاب الذي نزل بأهل القرية المذكورة في قوله تعالى في السورة نفسها: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}؛ إذ قد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أنّ القرية المذكورة هي أنطاكيّة، وهي قرية كان -كما يروي المفسّرون وبعض أهل التأويل من السلف- يحكمها ملك يعبد الأصنام هو وقومه.
أرسل الله -تعالى- رُسلًا تدعو هذه القرية لعبادة الله الواحد ونبذ الأوثان، فكذبوهما فأرسل الله -تعالى- رجلًا ثالثًا ليشهد بصدقهم، ولكنّهم كذّبوهم وقالوا لهم: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قال الإمام الطبري إنّ قولهم هذا بسبب أنّهم مُنعوا القَطر ثلاث سنين، وقد ظلّ الرّسل يدعونهم عشر سنين، وأمّا الرجل الثالث فقد ذهب أهل التفسير إلى أنّ اسمه حبيب، وقال ابن عبّاس في رواية عنه إنّ اسمه حبيب النجار، فعندما قال لهم: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} وثبوا عليه جميعًا فقتلوه، وقيل بل رجموه بالحجارة إلى أن مات، وقيل إنّه قال هذا الكلام للرسل، فلمّا سمعه قومه قتلوه.
فيقول تعالى عن قومه بعد أن قتلوه: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ}، وقد اختلف أهل التأويل في معنى الآية، فقيل إنّ الله -تعالى- يقول إنّ أهل هؤلاء القرية لم يُرسل عليهم الله -تعالى- بعد هؤلاء الرُّسل رسلًا آخرين ولم يُنزّل عليهم رسالة أخرى.
وقال بعضهم -وهو القول الأرجح- إنّ الله -تعالى- لم يحتَج إلى أن يرسل عليهم من السماء ملائكة لينفّذوا فيهم العقوبة، بل الأمر كان أيسر من ذلك وأسهل، فلم يُنزل ملائكة تُهلكهم وما كان ليُنزِلهم من أجل أمر يسير كهذا، ولكن الأمر لم يكن أكثر من صيحة واحدة صاحها ملك من ملائكة الله -تعالى- فأصبحت المدينة خامدة ليس فيها ولا حتى صافر بنار.
يقول تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}، حيث إنّ جبريل -عليه السلام- أمسك بعضادتي باب مدينتهم وصاح بهم صيحة واحدة جعلت قلوبهم تتقطّع في أجوافهم، فأصبحوا ميّتين لم تبقَ منهم باقية، وهذا جزاء من استكبر وحارب الله وقتل رسله وعلا عليهم، فالله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا
فوائد آية إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون
إذا كان لا بدّ من الوقوف على الثمرات المستفادة من قوله تعالى في سورة يس: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} فإنّ الثمرات حينها يجب أن تكون من كامل القصّة وليس فقط من هذه الآية؛ إذ القرآن الكريم يُقرأ جميعًا لا متفرّقًا، ولذا كان لا بدّ من الوقوف مع الثمرات التي يمكن إفادتها من قصة أصحاب القرية والمرسلين، ويمكن إجمال بعض الثمرات المستفادة فيما يأتي:
- ظهور وهن حجّة الذين يكذّبون الرّسل والأنبياء ويحاربون الله؛ إذ إن ديدنهم المكابرة والغرور والتجبّر على الحقّ وإلحاق الأذى بعباد الله الصالحين، فلذا كان منهم تكذيب الرسل وقتل بعضهم.
- استحالة بقاء الأقوام من دون رسل ترشدهم وترسم لهم طريق الخلاص من الذل الذي يعتريهم كعبادة الأوثان وما شابهها، لذلك كانت مهمة الرسل هي إنقاذهم من عذاب الله الذي يوشك أن يقع فيهم.
- وجوب التلطّف في القول عند الدعوة إلى الله وخطاب الكافرين الحُسنى، وعلى الداعي إلى الله أن يمتلك البصيرة والعلم ليكون بذلك مستمسكًا بنهج أنبياء الله كما جاء في وصفهم في الآية الكريمة من سورة يوسف: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، ولذا كان الذين يدعون من غير علم يُفسدون أكثر ما يُصلحون.
- سهولة إنزال عقاب الله على القوم المجرمين، وذلك لا يحتاج إلى ملائكة تنزل وتقاتلهم لتنفيذ عقاب الله -تعالى- فيهم، ولكن الأمر لا يحتاج أكثر من أن يُقال كن فيكون.
- إكرام الله -تعالى- من يدخل من عباده الجنة، فلا يكون فيها نصب ولا تعب، ولكن تعظيم وتوقير وتبجيل، وذلك ورد على لسان الذي قتله أهل القرية حين أدخله الله -تعالى- الجنة فقال: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}، والله أعلم.