معنى آية فالزاجرات زجرا
سورة الصافات من السور المكيّة باتّفاق أهل العلم كما يذكر الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير، واسمها الذي تُعرف به في كتب التفسير وفي المصاحف وفي كتب السنة النبويّة هو سورة الصافات، ولا يُعرف لها اسم آخر، ووجه تسميتها بالصّافّات فهو لأنّها قد بدأت بقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}، وفي هذه السورة آية كريمة يقول فيها الله تعالى: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}، ويبحث الكثيرون عن معنى آية فالزاجرات زجرا وعلاقتها بما قبلها، وما بعدها من آيات.
معنى آية فالزاجرات زجرا
تبدأ سورة الصافات بأسلوب قسم، فيقسم الله -تعالى- بالصافات ثم الزاجرات ثم التاليات، فأمّا قوله: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}، فهو قسم، وقد أقسم الله تعالى بالصافات وهي الملائكة -في أكثر أقوال أهل العلم- وهي تقف في صفوف في السماء، والصافّات هو جمع الجمع، والجمع هو صافّة؛ يُقال: جماعة صافّة، وتقدير الكلام كما يرى الإمام القرطبي هو: قسمًا بربّ الصافّات.
ويرى الإمام القرطبي أنّ الصّافّات هي الملائكة التي تقف في السماء صفوفًا كما يقف المسلمون في صلاتهم للصلاة، وهذا قول جماعة من أهل التأويل منهم ابن عبّاس وابن مسعود وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وقيل هي الملائكة وهي صافّة أجنحتها بانتظار أمر ربّها.
وقال الإمام الحسن البصري: “صفا لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم”، وذهب بعض العلماء إلى أنّها الطّير وقال آخرون هي جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفًّا للصّلاة أو الجهاد، وهو قول الإمام القشيري.
وأمّا قوله تعالى: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}، الفاء حرف عطف، والزاجرات معطوفة على الصّافّات فهي مثلها في محل جر، وكلمة “زَجْرًا” مفعول مُطلَق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
ومعنى آية فالزاجرات زجرا على أقوال أكثر العلماء أي الملائكة التي تزجر السحاب وتسوقه، وقيل هي آيات القرآن الكريم التي يزجر بها الله -تعالى- الناس عمّا قد زَجَرَ عنه، وجاء عن الإمام الطنطاوي أنّه قال: من الزجر، وهو الدفع بقوة. تقول : زجرت الإِبل زجرًا -من باب قتل- إذا منعتها من الدخول في شيء ودفعتها إلى غيره.
وقوله تعالى: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}، هو عطفٌ على ما سبق، وهو قسمٌ كذلك، فالتاليات هي أيضًا الملائكة التي تتلو آيات الله، فهذا القول شبيه بقوله تعالى في سورة المرسلات: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}، وقيل بل هي ما يُتلى في القرآن الكريم من أنباء الأمم السابقة، وقيل بل المقصود رئيس الملائكة جبريل -عليه السلام- هو والملائكة الذين يكونون معه.
وقيل بل هي آيات القرآن قد وصفها الله -تعالى- بصفة التلاوة كما قال في سورة النمل: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
وقيل هم جماعة قرّاء القرآن الكريم، وقد تشبّه المؤمنين بالملائكة في انتظام صفوفهم في الصلاة، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمّان -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “فُضِّلْنا علَى النَّاسِ بثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وجُعِلَتْ لنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا، إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ وذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى” (( الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 522 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) والله -تعالى- أعلى وأعلم.
اقرأ أيضا: سورة الصافات مكية أم مدنية
فوائد آية فالزاجرات زجرًا
نظرًا إلى اتصال آية {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} بما قبلها وبما يجيء بعدها من آيات، فقد نقف على ثمرات مستفادة من هذه الآية ومن غيرها ممّا سبقها وممّا يليها، وذلك فيما يأتي:
- بيان وحدانيّة الله -تعالى- في الألوهيّة والرّبوبيّة، ومهما كانت الملائكة خلقًا عظيمًا من خلق الله، فإنّهم يبقون عبيدًا له سبحانه، يسبّحون بحمده وينقلون كلامه -تعالى- للبشر ويثطيعونه في أوامره كافّة، ولذلك فعبادتهم مع الله -تعالى- ودعوة أنّهم بنات الله هي دعوةٌ باطلةٌ قد تعالى الله -سبحانه- عنها علوًّا كبيرًا.
- بيان أنّ الشّياطين أعداء البشر، ومن هنا لا ينبغي لإنسان إطاعتهم؛ إذ إنّهم لا يملكون لمخلوق كان ضرًّا ولا نفعًا، ولا ينبغي لهم الاطّلاع على الغيب من أمور الله في هذا الكون وغيره.
- بيان أنّ الإنسان لا شكّ مبعوث بعد موته، ومن هنا يعلم المرء قدرة الله العظيمة على فعل كلّ شيء، وأنّه -سبحانه- الذي خلق الأكوان وغيرها ممّا لا يعلمه البشر فلن يُعجزه بعث الإنسان بعد موته مرة أخرى للحساب يوم القيامة، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية له معقبات من بين يديه ومن خلفه