معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار
دعّت آيات سورة يس إلى التفكّر في آيات الله وعجائب قدرته من خلال ملاحظة كيفية تعاقب الليل والنهار وجريان الشمس والقمر في فلكٍ واحد، ومن الآيات المعنيّة بهذا الشأن قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}، ويكثر البحث عن معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار وما اشتملت عليه من إعجاز علمي.
معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار
إنّ معنى آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أنّ الله تعالى يذكر للخلق دليلًا آخر على قدرته التامّة الكاملة واستطاعته فعل أي شيء، وهذا الدليل هو نزع النهار عن الليل، فمعنى “منه” في هذه الآية بمعنى “عنه”، فالله تعالى يسلخ النهار عن الليل فتأتي الظلمة ويذهب النهار.
وقد ذُكر الانسلاخ في مواضع أُخرى من القرآن، ومنها قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، أي: خرج منها وتركها وكذلك انسلاخ الليل من النهار، فإذا الكون قد صار في ظلمة بمجيء الليل.
ونقل الطبري عن قتادة قوله أنّ تفسير هذه الآية هو أنّ الله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ولكن الطبري قد استبعد هذا التفسير، وذلك لعدم تقارب معنى سلخ النهار من الليل من معنى إيلاج الليل في النهار، وذلك لأنّ الإيلاج يدلّ على زيادة ما نقص من ساعات الليل إلى ساعات النهار والعكس صحيح، وهذا ليس من الانسلاخ الذي يكون للنهار من الليل كلّه، ويُسلخ الليل من النهار كلّه، والإيلاج لا يكون لكلّ النهار ولا لكلّ الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره أنّه من الدلالة على قدرة الله تعالى العظيمة خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه ونوره، وجعلهما يتعاقبان يذهب أحدهما فيأتي الآخر، وهذا شبيه بقوله تعالى: { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}، ومعنى نسلخ منه النهار، أي: نصرم النهار من الليل فيذهب ويُقبل الليل، فإذا الناس قد انتقلوا من نور النهار إلى ظلمة الليل.
وورد عن القرطبي أنّ سلخ النهار من الليل هو علامة دالّة على وجوب توحيد الله والإيمان بألوهيته والتصديق بقدرته المطلقة، والسلخ هو الكشط والنزع، ويُقال: سلخه الله من دينه، وهي مستعملة في الإخراج أيضًا، فذهاب الضوء ومجيء الظلمة كسلخ شيء عن شيء آخر وظهور المسلوخ، وهذا على سبيل الاستعارة.
ومعنى “مظلمون” في الآية أي: داخلون في الظلام، ويُقال: أظلمنا، أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا، أي: دخلنا في وقت الظهر، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية أوقات اليوم، وقيل في حرف الجر “من” أنّه بمعنى “عن”، ويكون المعنى نسلخ ضياء النهار عن الليل، فإذا الكون وجميع المخلوقات في ظلمة وذلك لأنّ ضوء النهار يتداخل في الهواء، فيُضيء، فإذا خرج منه أظلم.
وفي نظم الدرر للبقاعي أنّ الله تعالى قد أرشد عباده للنظر والتفكّر في الآيات والأعيان الحسيّة الدالة على قدرته الباهرة وخصوصًا في مسألة البعث والإحياء، ثمّ ترقّى بهم إلى معاني أخرى دالّة على البعث أيضًا، فإيجاد كل من النهار والليل بعد إعدامهما فيه دليل قوي جدًّا على البعث.
وقد نقل الله -عزّ وجلّ- خلقه من المكان الكلّي إلى الزمان الكلّي وهما اللذان يجمعان كلّ شيء من الأعراض والأعيان، فقال: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، ومعنى “آيةٌ لهم”، أي: دليل على إعادة الشيء بعد إفنائه، والليل هو الليل المشاهد الذي لا شكّ فيه ولا حيلة لأي مخلوق في رفعه وتأجيل وقته، وجاء التعبير بقوله “نسلخ” باستخدام نون العظمة للدلالة على جلالة وأهمية هذا الفعل بشكل خاص.
وأرشد السياق بشكل حتمي إلى وجود جملة محذوفة وتقديرها: “والنهار نسلخ منه الليل الذي كان ساتره؛ وغالبًا عليه؛ فإذا هم مبصرون” وهذا من البلاغة الخاصّة بآيات القرآن حيث إنّ المذكور يُعطي معناه ويدلّ على معاني أخرى مقدرّة ويمكن للباحث استنباطها من السياقات القرآنية.
اقرأ أيضا: معنى آية أن يقول له كن فيكون
الإعجاز العلمي في آية وآية لهم الليل نسلخ منه النهار
من أوجه الإعجاز الذي تضمنته آية “وآية لهم الليل نسلخ منه النهار” الإشارة إلى كون الظلام هو الأصل والنهار هو الحادث، ولهذا فإنّ النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر بظلام الكون مرّة أخرى، وعندما تدور الأرض حول محورها يبتعد الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدًا رويدًا، فيتحوّل الجزء الثاني للأرض من النهار إلى الليل.
ولا يوجد وصف علمي دقيق وعميق لهذه العملية أكثر إحكامًا وبلاغة من هذه الآية وهذا الوصف، إضافة إلى أنّ هذه الآية تشير إلى عملية حسابية دقيقة وهي عدد ساعات اليوم الكامل، وهذا من حكمة الخالق وعزّته حيث جعل الفرق بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس ثابتًا لا يتبدّل ولا يتغيّر مهما تغيّرت الفصول وتعاقبت الشهور والدهور
ومن الحقائق التي دلّت عليها هذه الآية أيضًا هي أنّ حدوث الانسلاخ لا يمكن إلّا إذا دارت الأرض حول نفسها أمام الشمس في ثبات كامل، بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، ويكون ذلك الدوران في سرعة ثابتة لا تتغير ولا تتبدّل بمرور الوقت وانصرام الأزمان، بحيث لا يسبق النهار الليل ولا الليل النهار وهو ما دلّت عليها الآيات التالية لها.
اقرأ أيضا: معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي