يبحث الكثير من المسلمين عن معنى آية فرهان مقبوضة وما اشتملت عليه من أحكام، فقد شرع الله تعالى الرهن لحفظ الحقوق بين النّاس ولئلا يظلم أحدٌ أحدًا، والرهن مشروع في السفر والحضر، وفي الآية ذُكر الرهن في حال السفر؛ لأنّ ذلك هو الغالب فخرج مخرج الغالب، لا أنّ الرهن من شروط صحته أن يكون في السفر، بل هو في السفر والحضر.
معنى آية فرهان مقبوضة
يقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِبًا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ}، وتُعتبر هذه الآية أصل في أحكام الرهن، وهي من الآيات التي تحفظ الحقوق بين المسلمين، وهي من عقود التوثيقات التي توثق بها الديون لتحفظ بها الحقوق، والرهن توثيق عين بدين يمكن الاستيفاء منها أو من ثمنها.
ويعد الراهن هو دافع الرهن الذي عليه الدين ويسمى المدين، أما المرتهن هو آخذ الدين والرهن الذي له الدين ويسمى الدائن، ولا يصح الرهن إلا بالسلع التي يجوز بيعها، ومن أحكام الرهن أنّ المرتهن لا يضمن إلا إذا تعدّى أو فرّط، فإذا جاء وقت الدين ووفّى المدين بدينه فيجب على الدائن أن يرجع إليه عينه التي كان قد رهنها.
وعلى ذلك فإن معنى آية فرهان مقبوضة أي وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا آلات الكتابة، فارتهنوا ممن تداينونه رهونا لتكون وثيقة بأموالكم، واتّفقوا على أنّ الرهن لا يتم إلّا بالقبض، وقوله: فرهن مقبوضةٌ، أي: ارتهنوا واقبضوا حتّى لو رهن ولم يسلّم فلا يجبر الراهن على التّسليم.
إذا سلّم لزم من جهة الراهن، حتّى لا يجوز له أن يسترجعه ما دام شيءٌ من الحقّ باقيًا، ويجوز في الحضر الرهن مع وجود الكاتب، وهو قول الجمهور، وقال مجاهدٌ: لا يجوز الرهن إلّا في السفر عند عدم الكاتب لظاهر الآية.
وعند الآخرين: خرج الكلام في الآية على الأعم الأغلب لا على سبيل الشّرط، والدّليل عليه ما روي عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه رهن درعه عند أبي الشّحم اليهودي، ولم يكن ذلك في السفر ولا عند عدم كاتبٍ، {فإن أمن بعضكم بعضًا}، وفي حرف أبيٍّ، “فإن ائتمن”، يعني: فإن كان الّذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحقّ فلم يرتهن منه شيئًا لحسن ظنّه به.
أما قوله تعالى: {فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته}، أي: فليقضه على الأمانة، {وليتّق اللّه ربه} في أداء الحقّ، ثم رجع إلى خطاب الشّهود فقال: {ولا تكتموا الشّهادة}، إذا دعيتم إلى إقامتها نهى عن كتمان الشّهادة وأوعد عليه فقال: {ومن يكتمها فإنّه اثمٌ قلبه}، أي: فاجر قلبه،وأراد به مسخ القلب نعوذ باللّه من ذلك، {واللّه بما تعملون}: من بيان الشهادة وكتمانها، عليمٌ.
وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: لما أمر الله تعالى بالكتابة والإشهاد وأخذ الرهان، كان ذلك نصًا قاطعًا على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها، وردًا على الجهلة الذين لا يرون ذلك، فيخرجون عن جميع أموالهم، ولا يتركون كفاية لأنفسهم وعيالهم، ثم إذا احتاج وافتقر عياله، فهو إما أن يتعرض لمنن الإخوان أو لصدقاتهم، أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم، وهذا الفعل مذموم منهي عنه.
اقرأ أيضا: معنى آية منسوخة
المباحث اللغوية في آية فرهان مقبوضة
لا بدّ من بيان المباحث اللُغوية في الآية الواردة في سورة البقرة والتي تُوضّح أحكام الرهن؛ لكي يذهب اللّبس وينجلي الإشكال بالنسبة للآية الكريمة، ومن أبرز هذه المباحث معاني المفردات، وإعراب الآية:
- في قوله تعالى: {وإن كنتم على سفر}: سَفَر: اسم والجمع منه : على أسْفار و أسفُر، وهي: قَطْعُ المسافة، وسَفَرُ الصبح: بياضُه، وهو: بقيَّة بياض النهار بعد مَغِيب الشمس، ويطلق على الرحيل والتنقّل بين البلاد
- وقوله {كاتباً}: كاتَبَ: بفتح التاء فعل كاتبَ يكاتب ، مُكاتبةً ، فهو مُكاتِب ، والمفعول مُكاتَب، ومنه قولهم كاتب السّيِّدُ عبدَه: إذا اتَّفق معه على أن يكون حرًّا إذا أدّى قدْرًا مُعيَّنًا من المال، ومنه أيضاً كَاتبَ شَرِيكَهُ : إذا كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اتِّفَاقاً
- وقوله {فرهان مقبوضة}: رَهن: اسم، الجمع منه: رِهان و رُهُن و رُهون ، رُهُونات، والرهن شرعاً: حَبْسُ الشيء(العين) بحقٍّ ليُستوفى منه عند تعذُّر وفائِه
وبالنسبة إلى إعراب الآية الكريمة، فهو على النحو التالي:
- {وإن} الواو هنا: استئنافيّة- أو عاطفة-، وإن: حرف شرط جازم.
- {كنتم}: فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط، وتم: ضمير متصل في محلّ رفع اسم كان.
- {على سفر}: على حرف جر، سفر إسم مجرور بعلى وعلامة جره تنوين الجر.
- {ولم}: حرف عطف، ولم: حرف نفي وجزم.
- {تجدوا}: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
- {كاتباً): مفعول به منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح.
- {فرهان}:الفاء هنا: رابطة لجواب الشرط، ورهان: خبر لمبتدأ محذوف.
- {مقبوضة}: نعت لرهان مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم.
اقرأ أيضا: معنى آية صبغة الله