معنى آية ضعف الطالب والمطلوب
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية ضعف الطالب والمطلوب وتفسير الآيات الكريمة.
معنى آية ضعف الطالب والمطلوب
يشيرُ معنى ضرب المثل من قِبل الله إلى أنَّه تعالى وضعَ مثلًا أو جعلَ لهم مثلًا، وطلبَ من الناس جميعًا أن يستمعوا إلى هذا المثل الذي أنزله الله إليهم، وهو أنَّ تلك الأصنام والأوثان التي يعبدها أهل الشرك والكفر لن تستطيع أن تخلق ذبابةً واحدةً.
وحتَّى لو اجتمعت تلك الطواغيت التي عُبدَت من دون الله على خلق الذبابة فإنَّها لن تستطيع أن تفعلَ ذلك، رغم صغر حجم الذبابة وقلَّتها، وفي بقية الآية يوضِّح الله تعالى أنَّه حتَّى لو أخذ منها الذبابُ شيئًا بسيطًا فإنَّ تلك الأصنام لن تستطيع أن تستعيده وتحصلَ عليه، لشدة ضعفها وضعف ما تطلبه.
وقد وردَ عن ابن عباس قوله في ذلك: أنَّ المشركين كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران وعندما يجفُّ يأتي الذباب ويستلبُ منهم ذلك، وقال السدِّي نحو ذلك: بأنَّ المشركين كانوا يضعون الطعام أمام الأصنام ويقع الذباب عليه ويأكل منه ولا تستطيع الأصنام أن تردَّ الذباب أو تمنعه من أخذ شيء.
وفي معنى آية ضعف الطالب والمطلوب يشير ابن عباس إلى أنَّ الطالبَ هو الذباب لأنه يطلبُ ما يسلبه من الأصنام من طعام وغيره، والمطلوب هو الأصنام التي يطلبُ منها الذباب طعامه، وذهب بعض المفسرون إلى أنَّ العكس هو الصحيح، أي أنَّ الطالب هو الصنم والمطلوب الذباب، وأشار الضحاك إلى أنَّ الطالب هو العابد والمطلوب هو المعبود.
وقد وردَ في بيان المثل المضروب وجهان، الأول رآى أنَّه لا يوجد مثَل مضروب وإنَّما المقصود أنَّ الكفَّار والمشركين قد اتَّخذوا أندادًا لله وأمثالًا بعبادتهم لهم، وكأنَّ الله يقول: لقد جعلوا لي شبيهًا ومثالًا يشبهني فاسمعوا لخبر تلك الشبهة، وهذا قول الأخفش وغيره، وأمَّا الوجه الثاني فهو قول القتبي، إذ رآى أنَّ المعنى هو يا أيها الناس مثل من عبد آلهة لا تستطيع أن تخلق ذبابًا وحتى لو سلبه الذباب شيئًا لا يستطيع أن يستعيده منه، وذهب النحَّاس إلى أنَّ المعنى هو ضرب الله تعالى ما يُعبد من دونه من أصنام وأوثان مثلًا.
اقرأ أيضا: معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان
الإعجاز العلمي في آية ضعف الطالب والمطلوب
لقد كان القرآن الكريم المعجزة الخالدة التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قيام الساعة، وما يزال العلم الحديث كلَّما تقدَّم أشواطًا واكتشفَ مزيدًا من الاكتشافات العلمية يلتقي مع المعجزات الموجودة في كتاب الله تعالى.
ولا بدَّ في تفسير الآية الكريمة أن يُشار إلى الإعجاز العلمي في آية إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ۚ ضعف الطالب والمطلوب، فقد ضربَ الله -جلَّ وعلا- مثلًا عظيمًا رغم صغرِ وقلةِ الشيء المضروب به المثل.
وقد نبَّه الله تعالى في الآية إلى شدة ضعف المخلوقات التي يعبدها الناس ويتوسلون إليها من دون الله عزَّ وجلَّ، بحيثُ أنَّ تلك المخلوقات المعبودة من دون الله لن تستطيع بشكل فردي أو بشكل جماعي من أن تخلقَ كائنًا ضعيفًا وصغيرًا جدًّا مثل الذباب، وذلك فضلًا عن المخلوقات الأكبر والأعظم كالجمل أو الفيل أو الكواكب والنجوم مثلًا، لأنَّ تلك المعبودات أضعف وأحقر وأتفه من ذلك بكثير، حتى أنَّها لا تستطيع ان تستخلص من الذباب شيئًا قد سلبها إياه.
وهنا يكمن الإعجاز العلمي في الآية، فقد جاء العلم في العصر الحديث ليكتشف حقيقةً علميةً غايةً في الأهمية وهي أنَّ الذبابة تمتاز بخاصيَّة عجيبة وهي تحليل الأطعمة التي تأتي من خارج جسمها، فعندما تريد أن تأخذ الطعام تمدُّ فمها من أسفل رأسها، وتشكلُ بذلك أنبوبَ امتصاص تمتصُّ به الطعام، وتقوم بإفراز أنزيمات تساعدها في تحليل الطعام مباشرةً وتحويله إلى مادة سائلة من أجل امتصاصها من خلال ذلك الأنبوب.
وبالتالي فإنَّه إذا استطاع أحدٌ ما أن يستخرج ما أخذته الذبابة وابتلعته سواء من فمها أو من بطنها، فإنَّه لن يكون كما كان، وسيكون قد تحول إلى مادة أخرى، وهذا ما أشارَ إليه الله تعالى قبل مئات السنين، ليصبحَ هذا دليلًا آخر على إعجاز القرآن وعظمته.
اقرأ أيضا: معنى آية حتى يلج الجمل في سم الخياط