معنى آية فيذرها قاعًا صفصفًا

إنّ سورة طه كباقي السّور المكيّة تبحث عن نفس الأهداف الدّعوة، وهي تركيز أصول الدّين في النّفوس كالتّوحيد والنّبوّة وقيام الساعة، ويبحث الكثير من المسلمين عن معاني آيات سورة طه وخاصةً معنى آية فيذرها قاعًا صفصفًا وتفسيرات العلماء لها، وما تشتمل عليه من مباحث لُغوية وفوائد عظيمة.

معنى آية فيذرها قاعًا صفصفًا

معنى آية فيذرها قاعًا صفصفًا

إنّ معنى آية فيذرها قاعًا صفصفًا أي فيترك الأرض حينئذ منبسطة مستوية ملساء لا نبات فيها، لا يرى الناظر إليها مِن استوائها مَيْلًا ولا ارتفاعًا ولا انخفاضًا.

جاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي في قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ}، إي: إنّهم يستفسرون منك عن مصير الجبال يوم القيامة، قوله: {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}، أي: إن الله تعالى، يجعلها كالهباء المنثور، وكأنّها لم تكن، حتّى تصبح الأرض كلّها منبسطة، قوله: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}، أي: فيتركها مكانًا مستويًا، قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}، أي: لا تشاهد فيها انخفاضًا ولا ارتفاعًا.

وأمّا في تفسير البغوي “معالم التّنزيل”: قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}، يقصد بالنّسف: القلع؛ أي: يقتلعها من أصلها، وتصبح هباءً منثورًا، أي: لا وجود لها، قوله: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}؛ أي: يترك أماكن الجبال من الأرض، قوله: أي: أرضًا مستويةً ملساء، لا ارتفاع فيها ولا نبات، ويقصد بالقاع: ما استوى من الأرض، والصّفصف: الأرض الملساء.

وقوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}، قال مجاهد: لا ترى فيها انخفاضًا ولا ارتفاعًا، وقال الحسن: يعني بالعوج: وهو ما انخفض من الأرض، والأمت: ما ارتفع من الرّوابي؛ أي: يتساوى سطح الأرض فلا يبقى فيها واديًا ولا رابيةً، وقال قتادة: لا تشاهد فيها صدعًا ولا أكمةً.

وجاء في تفسير القرطبي في تأويل معنى قوله تعالى: {ويسألونك عن الجبال}، أي: يسألونك عن وضع الجبال يوم القيامة، {فقلْ}، أي: إن سألوك عن الجبال فقل، فتضمن الكلام معنى الشّرط لمن جعل الفاء رابطة لجواب الشّرط المقدّر، قوله: {يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}، أي: يطيّرها، وقال ابن الأعرابي وغيره: يقتلعها قلعًا من أصولها، ثم يحولها رملًا يسيل سيلًا ، ثم كالصّوف المنفوش تحرّكها الرياح وهكذا ثمَّ كالهباء المنثور.

أما معنى قوله: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}، أي: فيدع مواضعها أرضًا مستوية ملساء لا نبات فيها ولا بناء؛ قاله ابن الأعرابي، وقال الجوهريّ: والقاع الأرض المستوية، وقال الفرّاء: القاع الأرض التي تكون مستنقع ماء، والصفصف الأرض المكشوفة والخالية من النّبات، وقال الكلبي: هو الذي لا نبات فيه، وقال جماعة معنى القاع والصّف واحد؛ فالقاع الموضع المنكشف من الأرض، والصفصف المستوي الأملس منها.

وقوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}، قال ابن الأعرابي: يكون العوج في الفجاج، والأمت النبك، وقال أبو عمرو: الأمت النباك وهي التلال الصغار والأرض الملتوية ؛ أي هي أرض مسطّحة ومستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع، وعن ابن عباس: العوج الوادي، والأمت الرّابية.

اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى ضنكا

المباحث اللغوية في آية فيذرها قاعًا صفصفًا

فيذرها قاعًا صفصفًا

لفهم آية {فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً} واستيعابها بشكل أفضل، لا بدّ من الوقوف على معاني بعض المفردات التي تحتاج إلى شرح وتوضيح إضافةً إلى إعراب الآية:

  • فيَذَرُهَا: وذِرَ: وذِرَ يذَر ذَرْ، وَذَرًا، فهو واذر، واسم المفعول مَوْذور وذِر عملَه: تركه، لا يُستعمل منه سوى المضارع والأمر،  وَذَرَ الشّيء: تركه، ذَرْهُ: اتركْه، والفاء في فيَذَرُهَا: حرف عطف، يذرُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعولًا به، والفاعل: ضمير مستتر جوازًا تقديره “هو”.
  • قَاعًا: قاع : اسم، الجمع: أقْواعٌ، و قِيعان، و قِيعَ، وقِيعَة، القاع: أرض مستوية عمّا يحيط بها من الجبال والآكام، تنصبّ إليها مياهُ الأمطار فتمسكها ثمّ تُنبت العُشب القاع: القعْرُ. وكلمة قاعًا في الآية حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة.
  • صَفْصَفًا: صَفصَف: اسم، الجمع: صَفاصِفُ، الصَّفْصَفُ: المستوي من الأرض لا نبات فيه، الصَّفْصَفُ: الفلاة من الأرض. والكلمة في الآية الكريمة حال ثانية منصوبة وعلامة نصبها الفتحة، أما جملة {فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً} كلها في محلّ نصب معطوفة على جملة ينسفها.

اقرأ أيضا: معنى آية وعجلت إليك رب لترضى

فوائد آية فيذرها قاعًا صفصفًا

بعد بيان معنى الآية الكريمة وشرحها شرحًا وافيًا، وبيان معانيها وإعرابها، لا بدّ من معرفة الفوائد المستقاة من قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً}، وهي كالآتي:

  • تنبيه العباد بأنّ الله تعالى يوم القيامة سيغيّر معالم الأرض؛ بنسفه واقتلاعه للجبال وتسوية الأرض كلّها، فتصبح مسطّحة مستوية، حيث إنّ هذا الأمر يزرع الرّعب في القلوب للتّحضير للحساب والعقاب.
  • تنبيه العباد إلى حالة الأرض عند قيام السّاعة، حيث يصبح الأمر مكشوفًا للجميع، ولم يعد هناك مكان للاستتار فيه أو به، لا جبال ولا وديان ولا أشجار، الأرض كلّها جرداء ومستوية وملساء.
  • تنبيه العباد إلى قدرة الله على فعل ما يريد في خلقه من جمادات وغيرها، فإذا فعل ذلك في الجبال التي تمسك الأرض، فإنّه قادر على كشف حقائق العباد، الصّالح منهم والطّالح، حيث ستفتح صحفهم، ويُكشف ما خفي فيها، كما استوت الأرض وظهر ما خفي خلف الجبال وبين الأشجار وفي الأنهار والوديان.

اقرأ أيضا: معنى آية وترى الجبال تحسبها جامدة

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة