معنى قوله تعالى ضنكا
إنّ لكل آية من آية القرآن حكمة، كما أنّ لها ثمرات حسنة تعود على القارئ المتدبّر في الدنيا والآخرة، ويجدر بالذّكر أنّ التّدبّر هو الوسيلة الرّئيسة للاستفادة من ثمرات آيات القرآن، ويبحث الكثيرون عن معنى قوله تعالى ضنكا في الآية الواردة في سورة طه الكريمة.
معنى قوله تعالى ضنكا
يُراد بقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، أنّ الإنسان الذي لم يذكر الله تعالى لم ينل السّعادة لا في الدّنيا، ولا في الآخرة، فالمقصود في قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي}، أيْ أنّ الله تعالى لم يستجب للعبد الذي ترك ذكر الله، حيث يتولّى عنه ولم يقبله، فالإنسان الذي لم يتّعظ بربّه يتلقّى الزّجر منه ولا سيّما في الحياة الدّنيا وذلك واضح في تتمّة الآية الكريمة: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}.
معنى قوله تعالى ضنكا هو أنّ الإنسان يشقى ويعيش حياته في ضيق وتعاسة، ومعنى ضنكًا في اللّغة هو: المنزل أو المكان الضّيّق، والعيش الضنك يشمل الذّكر والأنثى.
واختلف العلماء في الموضع الذي يعيش في الإنسان المُعرض عن ذكر الله هل سيكون ذلك في الدّنيا أم في الآخرة، فمنهم من يرى أنّ المقصود هو العيش الضّيق في الآخرة؛ كإلقاء العذاب على المُعرض بإلقائه في الشّوك والنّار أو طعام الزّقوم والغسلين، حيث قالوا هؤلاء بأنّ الآخرة هُنا هي الموضع المقصود؛ لأنّ العيش الحقيقي والحياة الأبديّة يكونان في الآخرة وليس في الحياة الدّنيا أو حياة القبر.
وقال آخرون أنّ الموضع المقصود بالعيش الضّنك هو الدّنيا، والسّبب في ذلك أنّ الحرام كلّما اتّسع في الحياة الدّنيا عاش الإنسان في ضنك أكبر ومشقّة أعظم ليعود إلى الله ويُقبل عليه.
ويدور معنى العيش الضّنك في موضع الحياة الدّنيا حول المعاصي؛ كالكسب الخبيث والنّظر إلى المحرّمات والسّرقة والغيبة والنّميمة وغيرها من المعاصي، حيث إنّ الإنسان الذي يسعى للرّزق بطريق مُحرّم لم يُبارك الله في هذا الرّزق، فيجعله يشعر بضيق شديد كلّما أنفق من هذا المال ومهما كان واسعًا ، ولا سيّما إن أنفقه بحجّة الصّدقة والقربة، فيكون حينها كاذبًا وخادعًا لنفسه ولأهله، وهذه كلّها تستدعي الضّيق الشّديد والشّقاء المُبرح.
رأى علماء آخرون أنّ المقصود بالعيش الضّنك هو: الحياة في القبر وما يتضمّنه من حساب وعذاب، واستدلوا بقول الرّسول -عليه السّلام-: “أتَدرونَ فيم أُنزلتْ هذهِ الآيةَ؟ قال: أتَدرونَ ما المعيشةُ الضَّنكُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ قال: عَذابُ الكافرِ في قبرِه، والَّذي نفسي بيدِه إنَّه يُسلَّطُ عليهِ تِسعةٌ وتِسعونَ تِنِّينًا، أتدرونَ ماالتِنِّينُ؟ تِسعونَ حيةً لكلِّ حيَّةٍ سبعُ رؤوسٍ يلسَعونَه ويخدِشونَه إلى يومِ القيامةِ”.
ويُمكن التّوفيق بين هذه الآراء بجمع هذه الآية مع قوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ}، ممّا يعني أنّ العيش الضّنك يمرّ بثلاثة مراحل والتي تكمن في الآراء التي سبق بيانها، حيث إنّ الإنسان الذي يعصي الله ويبتعد عن ذكره له عيشًا ضنكًا، ومن ثمّ يعيش حياة قبره في ضنك شديد؛ لأنّ العذاب في القبر سببه الأفعال التي يقترفها العبد في الحياة الدّنيا، ومن ثمّ عذاب الآخرة الذي هو نتيجة أفعال العبد في الحياة الدّنيا، ممّا يعني أنّ عذاب الآخرة في سياق هذه الآية يتبعه عذاب في الدّنيا وأقلّه العيش بالضّيق والشّعور بالتّعاسة.
وفي كلّ الأحوال الإعراض عن ذكر الله سبب من أسباب الشّقاء والضّنك سواء كان ذلك في الحياة الدّنيا أم في القبر أم في الآخرة، والمقصود بالعمى في قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، هو عدم الإتيان بالحجّة عند لقاء الله تعالى، فجاءت هنا كناية عن القلوب المقفلة التي لا تمتلك الحجّة، ممّا يعني أنّ المقصود هو عمى القلب وليس عمى البصر.
اقرأ أيضا: معنى آية سندع الزبانية
فوائد من آية ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا
- أخبرت هذه الآية قانونًا مهمًّا لتاريخ البشريّة وحاضرها وهي أنّ الالتزام بذكر الله تعالى يقي الإنسان من ضيق الصّدر وشقاء العيش، ويكون ذلك بأداء العبادات واتّباع القرآن ونحوه.
- التّحذير الوارد في الآية؛ كالعيش الضّنك سواء في الدّنيا والآخرة يجعل الإنسان ينبعث إلى طريق الهدى واجتناب الكبائر خوفًا من تعرضه لتعاسة العيش.
- إنّ عاقبة سوء الظّن بالله واستخدام الرّزق بالطريق المحرّم يجعل الإنسان يستثمر رزقه بالطّريق الذي أحلّه الله؛ كالتّصدّق على الفقراء والمحتاجين.
- الأمن والطّمأنينة الذي سيشعر به الإنسان عند ذكره لله، فكم من النّاس خضعت للانتحار بسبب العيش الضّنك نتيجة بعدهم عن الله وسوء ظنّهم به.
- العمل الصّالح والإيمان بالله وتوحيد ربوبيّته يُبعد الإنسان عن القلق والحيرة والاضطراب الذي يقوده إلى الأمراض النّفسية والعقليّة، ممّا يعني أنّ الإعراض عن ذكر الله يؤثّر على الحياة الصّحيّة.
- البعد عن ذكر الله يؤدّي إلى فساد المجتمع؛ كتعاطي المخدّرات والسّرقة والزّنا وقطّاع الطّرق وشهادة الزّور وغيرها من الأفعال المحرّمة.
- البركة في الرّزق، ممّا يعني أنّ الإعراض عن ذكر الله سبب من أسباب نوع البركة، والدّليل على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
اقرأ أيضا: معنى آية ما سلككم في سقر