معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا

تأتي سورة طه بعد سورة مريم في ترتيب المصحف الشريف، وقد اشتملت سورة طه على قصة نبي الله موسى مع فرعون وقومه إضافةً إلى سردها لما حدث بين نبي الله موسى والسامري، ويبحث الكثير من المسلمين عن معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا الواردة في إحدى آيات السورة، وما يُستفاد من قصة السامري.

معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا

معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا

قال الله تعالى في سورة طه على لسان نبي الله موسى عليه السلام: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}، وقد كان هذا الخطاب موجهًا للسامري كما يظهر من تتابع الأحداث في السورة الكريمة.

كان السامري سببًا في فتنة بني إسرائيل بعدما تركهم نبي الله موسى، وذهب للقاء ربه عز وجل، فقد صنع السامري لبني إسرائيل عجلًا من الذهب الذي أخذوه من أرض مصر، وألقى على هذا العجل شيئًا من التراب الذي داسته فرس جبريل عليه السلام، وبعد أن رمى السامري التراب على العجل، بدأ العجل في إصدار صوتٍ يُشبه صوت الخوار.

قال السامري لبني إسرائيل إن هذا العجل هو إلهكم وإله موسى، فصدق بنو إسرائيل ذلك، وصاروا يعبدونه، حتى رجع إليهم موسى عليه السلام وغضب بشدة، حيث ألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه هارون يجره إليه، لأنه كان قد استخلفه على بني إسرائيل.

تُوضح الآية الكريمة في سورة طه أن موسى عليه السلام يُخاطب السامري بحدة، ويقول له إن عقوبته ما دام حيًا ألا يمس أحدًا، وألا يمسه أحدٌ، فكان إذا مس أحدٌ السامريَ يُصاب هو والسامري بالحُمّى، وقد كانت تلك العقوبة التي عُوقب بها السامري شاقة لما تتضمنه من مشقة حسية ونبذ معنوي، فهام السامري في الأرض، لا يجد من يخالطه من الناس، وكان يقول لغيره لا تمسوني، ولا أمسكم، فبعد أن فرّق وأضل بني إسرائيل، كان مستحقًا للنبذ الاجتماعي، وأن يعيش وحيدًا، وهذه العقوبة تقترب من التغريب للزاني غير المحصن في الإسلام.

أخبر نبي الله موسى السامري: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ}؛ أي أن عقوبة السامري ليست في الدنيا فقط، بل له بعد مماته عقوبة أخرى عندما يُحاسب على ما فعله وما تسبّب فيه من فتنة لبني إسرائيل، وهذا الموعد يوم القيامة حيث تُحاسب جميع الخلائق على ما اكتسبت في الحياة الدنيا.

يتابع موسى -عليه السلام- خطابه فيقول: {وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}، و معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا أي انظر إلى هذا العجل الذي عبدته، وشاهده وهو يحترق أمامك، ثم يُرمى في البحر.

أصل كلمة ظَلت هو ظَلِلْت، وتقول العرب عمن يشتغل بأمرٍ ما بالنهار: ظل يفعله طول النهار، بينما في المساء يقولون: بات، وكلمة “عاكفًا” مشتقة من العكوف أي المواظبة على فعل الشيء دون صرف النظر عنه إلى غيره، وقد جاء في سورة الأعراف: {فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ}؛ أي: يقيمون.

هناك اختلاف بين المفسرين في الكيفية التي اتبعها نبي الله موسى في تدمير العجل، فقد قال بعض العلماء أنه سحله بالمبارد، ثم رماه في النار المشتعلة، وبعد أن صار رمادًا نتيجة احتراقه، رماه في البحر، بينما قال بعضهم إن العجل قد صار من لحم ودم بعدما كان ذهبًا؛ ولهذا فُتنت به بنو إسرائيل؛ لذلك كانت الكيفية التي اتبعها نبي الله موسى أن ذبحه أولًا، ثم رماه في النار، وبعدما صار رمادًا، رماه في البحر أو النهر على اختلاف التفاسير.

يرجع السبب في إحراق العجل وإغراقه إلى أن بني إسرائيل قد أُشربوا في قلوبهم العجل، فاعتقدوا أنه ربهم وإلههم، فأراد نبي الله موسى أن يعلم الناس أن هذا العجل ليس إلهًا، ولو كان إلهًا حقًا لامتلك القدرة على الدفاع عن نفسه من القتل والدمار الذي لحق به من إحراقه وإذراه في الماء، فهو ليس إلههم، وإنّما إلههم {اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}، كما يقول موسى عليه السلام في الآية التي تليها، والله أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية سنسمه على الخرطوم

فوائد من قصة السامري

فوائد من قصة السامري

من الفوائد التي يُمكن استجلائها من قوله تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} أن من يحارب الله تعالى وتشريعاته، فيمتنع عن أوامره، ويقترف مناهيه، ويسعى في الأرض الفساد بإضلال العباد، فإن له عقابًا عظيمًا في دنياه، وآخرته.

تُبيّن الآية الكريمة أن الدين كله لله، والأمر كله لله، ومن يجحدون بذلك مثلهم كالسامري، سولت لهم أنفسهم أن يُضلوا عباد الله، رغم يقينهم أن ما يدعون إليه هو الضلال، ومع ذلك، فلا خوف على دين الله، فهناك من العباد الذين أوكلهم الله تعالى ببيان الضلال للناس ومحاربة البدع والأهواء؛ لأن الله غالب على أمره، ولا سبيل للعزة إلا لمن ابتغاها حتى حكم الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له.

اقرأ أيضا: معنى آية لا أبرح حتى أبلغ

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة