عندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش، كانوا على دراية كاملة بشخصيته، ويعرفون صدقه وخُلقه، حتى إنه كان يُعرف بالصادق الأمين قبل البعثة النبوية، ورغم ذلك ما إن جاء قومه بالبينات وأمرهم بالتوحيد، رفضوا دعوته، ورغم إقرار الكثير من المشركين بصدق الرسالة المحمدية، إلا أنهم استكبروا عن اعتناق الإسلام، ومنهم الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه قوله تعالى (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية سنسمه على الخرطوم الواردة في سورة القلم.
معنى آية سنسمه على الخرطوم
قال الإمام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن معنى آية سنسمه على الخرطوم أي سنخطمه بالسيف، وبالفعل خُطم الوليد بن المغيرة الذي أُنزلت فيه هذه الآية في غزوة بدر الكبرى، وصار مشوه الخلقة حتى هلك، والمراد بقوله تعالى سنسمه مشتق من السمة أي سنجعل له علامة مميزة في وجهة، وهذه العلامة تكون بالسيف أو بالنار.
يُقصد بالخرطوم في الآية الأنف من الإنسان، بينما الخرطوم في السباع هو موضع الشفة، ويُطلق على سيد القوم لفظ الخرطوم، فيُقال خراطيم القوم أي الكبراء، وقد قال الفراء عن هذه الآية: (وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنّه في معنى الوجه؛ لأنّ بعض الشيء يعبّر به عن الكلّ).
قال ابن جرير الطبري: سنسمه على الخرطوم أي سنجعله أمره أمرًا واضحًا بين الناس حتى يعرفوه فلا يخفى على أحد، وقد خُطم الوليد بن المغيرة على وجهه، وليس هناك شك أن هذه السمة التي وُسم بها من سمات العار والفضيحة، فقد لحق العار بالوليد بن المغيرة في الدنيا والآخرة.
اقرأ أيضا: أكثر الآيات تأثيرا في القرآن
الإعجاز في آية سنسمه على الخرطوم
تناول بعض العلماء موطن الإعجاز في آية سنسمه على الخرطوم، حيث إن من أبرز أوجه الإعجاز التي اشتمل عليها القرآن الكريم أنه أخبر عن أمور غيبية لم يطلع عليها أحد، وذلك مثل العديد من الأخبار التي ستقع في المستقبل، ولا يعلم بهذه الأخبار إلا الله تعالى، وفي ذلك ما يدل على صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما في ذلك إقامة للحجة على المشركين، فلا يستطيع أحدٌ أن يُخبر بالغيب إلا إذا كان نبيًا مرسلًا مُوحى إليه من الله تعالى.
اشتملت هذه الآية الكريمة على أمور غيبية، وقد حصل ما أخبرت به الآية على أرض الواقع كما أنبأ الله تعالى: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)، فمن كان يدري أن الوليد بن المغيرة الذي يتسيد قريش ويحتل مكانة مميزة بين العرب، يُخطم أنفه، ويُوسم بهذا الوسم قبل وفاته، فكأن هذا الوسم المُشوه للخلقة ردًا على تزعمه لحملة تشويه الدعوة الإسلامية والتشويش عليها.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة القلم
آيات نزلت في الوليد بن المغيرة
تتعدد الآيات التي نزلت لتوعّد الوليد بن المغيرة بالعذاب، وقد حملت هذه الآيات تهديدًا له بسوء المصير في جهنم، ورغم أنه كان على إدراك تام لحلاوة القرآن وطلاوته، إلا أنه آثر الزعامة والسيادة على الإذعان بالحق، الأمر الذي جعله أشد الناس عداوة للإسلام، وقد كان قريبًا من الدخول في الإسلام، وقد قال تعالى عنه في سورة المدثر: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ*فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ نَظَرَ*ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ).
كما وصف الله تعالى الوليد بن المغيرة من يوم ولادته، فقد كان وحيدًا، لا مال له ولا ولد، ولكن الله أنعم عليه بالمال حتى قيل إنه كان يملك مئة ألف دينار، وكان لديه أرضًا يسترزق منها، وبعدها أعطاه الله الولد، حتى وصل عددهم إلى عشرة أولاد، ماثلين في خدمته، يقومون على أمره، وكان هذا من دلائل نعمة الله عليه بأن يرى أولاده حاضرين أمامه، ويفرح بهم، فلا يخرجون في سفر، ولا يبتعدون عنه.
يسّر الله للوليد بن المغيرة بعد ذلك شتى متاع الحياة، ولكن رغم كل هذه الأفضال الإلهية على الوليد، كان الوليد طامعًا في المزيد، ولم يشكر الله على ما حباه به من فضل، فاستحق بذلك سوء العاقبة يوم القيامة، وعن ذلك يقول الله تعالى في سورة المدثر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا*وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا*وَبَنِينَ شُهُودًا*وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا*ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ*كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا*سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا).
المُراد بالصعود في الآية أي جبل في جهنم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في: (الصَّعُودُ جبلٌ مِنْ نارٍ يتَصَعَّدُ فيه الكافِرُ سبعينَ خَريفاً، ثُمَّ يَهْوِي فيه كذلِكَ أبداً) (( الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : ابن كثير | المصدر : نهاية البداية والنهاية | الصفحة أو الرقم: 2/157 | خلاصة حكم المحدث : غريب )) وفي ذلك وصف للعذاب الذي أعدّه الله للوليد بن المغيرة نتيجة سوء موقفه من النبي صلى الله عليه، فلم يكتفِ بتكذيب الدعوة، بل إنه ألحق الأذى بالنبي، وحاول أن يُشوّه صورته أمام جميع من يدعوهم إلى الدخول في الإسلام.
اقرأ أيضا: أحاديث عن خالد بن الوليد