يبحث الكثيرون عن تجربتي في روندا حيث تعرضت رواندا إلى إبادة جماعية في القرن العشرين، وتحديداً في عام 1994م من مجموعة هوتو، وقتل فيها أكثر من ثمانية آلاف شخص من مجموعة التوتسيي في مئة يوم بواسطة المنجل الزراعي، ولكنها أصبحت من أكثر دول أفريقيا تقدماً من الناحية الاقتصادية ومن أكثر الشعوب تعايشاً وتقبلاً للآخر.
تجربتي في رواندا
يقول أحد المسافرين إلى رواندا: تجربتي في رواندا كانت تجربة ملهمة أود أن أنقلها لكم، بدايةً فإن إرث المجازر الثقيل في رواندا يتجسّد في غياب أي حديث عن العرقيات والقوميات، عندما مررت بجانب معمل للشاي في المنطقة، كان ثمة نصب تذكاري صغير يُحيي ذكرى 22 عاملاً وعاملة قضوا خلال مجازر 1994. بدر مني حينها سؤال عفوي أخرق وقليل الحساسية، إذ بالمقارنة مع حالات أخرى، كان عدد القتلى في هذا الموقع متدنياً، فتوجهت لأحد أصدقائي الروانديين مستفسراً إن كان التوتسي أقلية صغيرة العدد في هذه المنطقة، لكن الشاب الذي ولد في عام المجازر ولم يعشها أبداً هزّ رأسه بشدة وقال: “جميعنا روانديون”.
كان ختم جواز السفر والدخول إلى كيغالي عبر مطارها سلساً وبلا عوائق، لا تأخير متعمداً بهدف الابتزاز والحصول على رشوة كما حدث معي سابقاً في مطارات لدول من العالم الثالث، ولا أسئلة عن علاقات محتملة لي بجهات مثيرة للشبهات ممّا طرح علي في مطارات عالم أول. بضعة استفسارات سريعة عن سبب الزيارة فابتسامة فختمٌ فكلامٌ يتمنى لي الاستمتاع بإقامتي في رواندا.
يتابع صاحب التجربة: توجّهتُ إلى حيث سأقيم في العاصمة الرواندية، وهو غاليري ومقر إقامة فنية يدعى إيفوكا، اكتشفتُ لاحقاً أنه من الوجهات التي قد يزورها سيّاح وفضوليون بناء على نصائح تقدّمها بعض المواقع المتخصصة بالسفر والسياحة.
بعد تصريف بضعة دولارات لفرانكات رواندية (الدولار الأميركي يساوي 880 فرنكاً رواندياً تقريباً) وشراء خط موبايل من شبكة MTN التي تغزو إعلاناتها البلاد، باشرت رحلتي في العاصمة. وسيلة النقل بالأجرة الأساسية هنا هي الدراجة النارية، وهي متاحة لراكب واحد إلى جانب السائق، والأخير يحمل معه خوذتين ضمن شروط السلامة، خوذة له وأخرى للراكب بالأجرة، وهذه الخوذة تنتقل من رأس إلى رأس عشرات المرات يومياً، مع ما يحمله ذلك من احتمالات انتقال للروائح والعرق والحساسية والأمراض الجلدية.
شوارع العاصمة الرئيسية جميعها معبّدة ونظيفة بشكل لافت، في مقابل بعض الشوارع الفرعية الترابية، قادتني الشوارع المعبدة إلى وجهتي الأولى: “النصب التذكاري للإبادة في كيغالي: وهو متحف يوثق المجازر الشنيعة التي شهدتها البلاد عام 1994، والتي ارتكبها أفراد من عرقية الهوتو التي تشكل الأغلبية الرواندية بحق المواطنين المنتمين إلى أقلية التوتسي العرقية إلى جانب عدد من الهوتو المعتدلين.
يقع المتحف أساساً في وادٍ هادئ شهد لوحده مقتل نحو ربع مليون نسمة خلال المقتلة التي امتدت لنحو مئة في ربيع 1994، بين نيسان/ أبريل إلى تموز/ يوليو. رسم الدخول 15 دولاراً، الموظفة التي شاهدت الكاميرا المتدلية من عنقي أشارت إلى أن هناك رسماً إضافياً إن كنت أرغب بالتقاط الصور في الداخل، أخبرتها أنني لا أرغب بذلك.
تبدأ الجولة في المقر عبر عرض فيلم قصير لبعض الناجين من المجزرة والشهود أو من فقدوا ذويهم أو عائلات بأكملها خلال أيام انعدام العقل تلك، يذرف المشاهدون دموعاً غزيرة خلال المشاهدة، أما أنا فعيناي ربعٌ خال، جفافهما على الأرجح متعلق بمجزرة مستمرة في بلدي، توقفت أساساً قبل زمن عن ذرف دموع بخصوصها، ويقدّم المتحف شرحاً تفصيلياً للجذور التاريخية للمجازر الرواندية.
من المتحف، توجهت إلى حي نياميرامبو، وهو حي مختلط يضم عدداً من المساجد المبنية بطراز معماري بسيط وغاية في التقشف، وهذه بشكل عام حال الكنائس أيضاً. والحي هذا ضاج بالحياة، مطاعم ومتاجر وورش. بعض المحجبات يرتدين أغطية رأس ملونة، وأخريات يضعن حجاباً فيما الأكمام القصيرة تكشف عن الساعدين وبعض الذراعين، وقسم آخر يرتدين حجاباً أسود وعباءات أكثر محافظة، عدا عن غير المحجبات من المسلمات وغير المسلمات، فيما ثمة بعض الصغيرات يضعن الحجاب. قلة من الرجال كذلك ترتدي زياً يبرز تمايزاً دينياً أو تطلق لحاها.
ينهي صاحب التجربة سرده لتجربته قائلاً: انتهت تجربتي في رواندا عندما غادرت كيغالي صباح اليوم التالي عائداً إلى لندن، وأنا أمني النفس بزيارة أخرى تتيح لي الذهاب إلى وجهات في البلد الأفريقي.
اقرأ أيضا: تجربتي في جورجيا
معلومات عن دولة رواندا
- تنتمي رواندا لعدد من المنظمات الدولية؛ كدول الكومنولث، ومؤسسة التنمية الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، والأمم المتحدة، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والاتحاد الإفريقي، ووكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والمركز الدولي لتسوية المنازعات الاستشارية، ومؤسسة التمويل الدولية، ومجموعة دول أفريقيا، والكاريبي، والمحيط الهادي، والبنك الإفريقي للتنمية.
- نالت استقلالها في عام 1962م؛ إذ كانت مقسمة بين ألمانيا وبلجيكا، ويعتبر الرئيس جريجوري كاييباندا أول رئيس لها، وحكمها من عام 1962م-1973م، ويشغل المنصب حالياً الرئيس بول كاغامي.
- تعتبر اللغة الفرنسية، واللغة الإنجليزية لغتان رسميتان فيها، إضافة إلى اللغة المحلية المعترف بها، وهي كينيارواندا، كما تعد عملة فرنك رواندي عملة رسمية فيها،
- يحدها كل من تنزانيا من الجهة الشرقية، ومن الجهة الشمالية أوغندا، ومن الجهة الغربية الكونغو الديموقراطية، ومن الجهة الجنوبية بوروندي.
- تقسم إدارياً إلى أربع محافظات؛ وهي: محافظة كيغالي، والمحافظة الجنوبية، والمحافظة الغربية، والمحافظة الشمالية، والمحافظة الشرقية، ويطلق على كل محافظة اسم انتارا وتقسم إلى ضواحي يطلق عليها اسم أكاريري.
اقرأ أيضا: الإسلام في رواندا