تجربتي مع سورة الأنفال
تجربتي مع سورة الأنفال من أكثر تجارب السور القرآنية أهمية لأنها من السور التي تأمر المؤمنين بالالتزام بالطاعة والاستسلام لإرادة الله، بإقامة الدين والجهاد في سبيله وعدم الانجرار وراء الشهوات. وتثبت كذلك أنّ اختيار الله دائمًا هو الأكمل والأحسن للمؤمنين؛ لأنّ مسار الأحداث قد يأتي بما يكرهه المؤمنون، ومخالف تمامًا لاختيارهم، وأن هذه المخالفة مقصودة من الله عز وجل.
تجربتي مع سورة الأنفال
تقول إحدى السيدات: تجربتي مع سورة الأنفال كانت تجربة عظيمة أثرت فيّ بشدة، عشت أكثر من سنتين مع زوجي، ولم يكتب الله لي الإنجاب، بالرغم أنني وزوجي قمنا بالعديد من التحاليل والفحوصات، وأظهرت النتائج أنه لا يوجد أي مانع من موانع الإنجاب، ولكن الحمل تأخر كثيرًا، وعلى ما كان بيني وبين زوجي من الحب الشديد، إلا أن علاقته بي بدأت تتغير بفعل ما يسمعه يوميًا من أهله، وأصبحت حياتنا جحيمًا بسبب كثرة الخلافات، فكان كلما يأتي خبر بحمل إحدى الأقارب، يُقاطعني زوجي وتتجدد المشاكل بيننا مرة أخرى، وفي إحدى الأيام، جاءني زوجي، وقال إنه لن يصبر أكثر من ذلك على هذا الوضع، وسيتزوج حتى يرزقه الله الولد، كان كلماته بمثابة الصاعقة على أذني، فبرغم كل المشاكل التي تقع بيننا، لم يسبق له أن قال ذلك مطلقًا، وبالفعل بدأ في إجراءات الخطبة، وعندها تركت البيت وذهبت إلى بيت أهلي، وطلبت منه أن يطلقني.
تتابع: لم يوافق زوجي على تطليقي، وقال لي إنه لن يطلقني إلا بعد مرور سنة، وعشت أسوأ أيام حياتي في بيت أهلي، حيث توقفت عن الأكل والشرب وساءت حالتي النفسية، ولم ألجأ في ذلك الوقت إلا إلى القرآن الكريم، وكنت أجد في سورة الأنفال الدواء لي، حيث كنت أكرر قوله تعالى: “وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” وأقول أن الله تعالى قدّر هذا وهو كفيل به، وأنني متأكدة من أن هذا سيكون خيرًا بإذن الله.
تُكمِل: لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، فقد علمت أن زوجي اتفق على خطبة إحدى الفتيات، وأنهم حددوا موعدًا لكتابة عقد الزواج، وعندما علمت بأنهم سيحضرون لتجهيز الشقة، تركت بيت أهلي، وذهبت مع والدتي إلى شقتي، وقتها تفاجئ أهل العروس بوجودي، وظنوا أنني جئت لأتشاجر معهم، وسمعتهم يتحدثون عني ويقولون أنهم مستعدون لطردي إذا أرادوا، فبدأت في الرد عليهم وحاولت أمي تهدئتي، لكنني لم أستجب لها، لتسقط مغشية عليها في هذه اللحظة، فقمت بأخذها وذهبت إلى بيت أهلي، وكانت هذه الليلة من أصعب الليالي التي مرت عليّ طوال حياتي، تفاجئت بعدها بأن زوجي، قدم إلى بيتنا، وقال أن أهل خطيبته خيروه بين الزواج منها وتطليقي أو فسخ الخطبة التي بينهم، فاخترني؛ لأنه يحبني أنا، وقال لهم أنه لن يستطيع أن يستغنى عن زوجته.
تقول: في هذه اللحظة، شعرت بأن روحي قد رُدت إليّ مرة أخرى، وأدركت معنى قوله تعالى في سورة الأنفال: “وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ“.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الأنفال
خواص سورة الأنفال
من أعظم خواص سورة الأنفال ما جاء عن أبي أيوب الأنصاري أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأ في المغرب سورةَ الأنفال. (( الراوي : أبو أيوب الأنصاري | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 2/121 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح )) حيث يدل ذلك على مدى عظم مكانة هذه السورة.
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ بدرٍ: مَن فعَلَ كذا وكذا، فله مِن النَّفَلِ كذا وكذا، قال: فتَقدَّمَ الفِتيانُ، ولَزِم المَشْيخةُ الراياتِ فلم يَبرَحوها، فلمَّا فتَحَ اللهُ عليهم، قال المَشيخةُ: كنَّا رِدْءًا لكم، لو انهَزَمتُم لَفِئتُم إلينا، فلا تَذهَبوا بالمَغنَمِ ونَبْقى، فأبى الفِتيانُ وقالوا: جعَلَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، إلى قولِه: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]؛ يقول: فكان ذلك خيرًا لهم، فكذلك أيضًا، فأَطيعوني؛ فإنِّي أعلَمُ بعاقبةِ هذا منكم. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 2737 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
وقد ثبت عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ. (( الراوي : واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 1480 | خلاصة حكم المحدث : صحيح بمجموع طرقه )) وسورة الأنفال من المثاني التي أوتيها النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكان الإنجيل.
يتمثل مقصد سورة الأنفال في: تبرؤ العباد من الحول والقوّة، وحثهم على التسليم لأمر الله، واعتقاد أن الأمور ليست إلا بيده وأن الإنسان ليس له فعل. ليثمر ذلك الاعتصام بأمر الله، المثمر لاجتماع الكلمة، المثمر لنصر الدين وإذلال المفسدين، المنتج لكل خير. ففي قصّة الأنفال التي اختلفوا في أمرها وتنازعوا قسمها فمنعهم الله منها وكف عنهم حظوظ الأنفس وألزمهم الإخبات والتواضع، وأعطاها نبيه صلى الله عليه وسلم، فكأن الأمر له وحده، يمنحه من يشاء.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة الأنفال