يُعرّف الوِرد في اللغة بأنّه: موافاة الشيء، والوِرد من القرآن هو: الجزء منه، وسُمّي وِردًا؛ لأنّ المسلم يقصد موافاته، وقراءته، أو لأنّ المسلم بقراءته يروي ظمأ قلبه، وتُعد تجربتي مع الورد اليومي من أكثر التجارب الملهمة التي تدعو المسلمين إلى المواظبة على تلاوة القرآن الكريم.
تجربتي مع الورد اليومي
وتمضي الايام، بعدها بدأ قلبي يقسو، ونوره يخبو، فأشعر أني أتراجع، يضعف إيماني، وتزداد غفلتي، ولا زلت أقول لنفسي:”لا عليكِ يا نفسي، فأنت معذورة وربكِ يعلم حالك وأشغالك”.
ويومًا ما ذهلت حين تأملت قول ربي.”علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله” نعم يارب، قد علمت حالهم وأمراضهم وأشغالهم في أسفارهم أو انهماكهم في حرب عدوهم فبم توصيهم؟ “فاقرءوا ما تيسر منه”
عجبًا، يأذن لهم أن يجمعوا الصلاة بل ويقصروها، وأن يفطروا في نهار رمضان، لكنه يقول أيضًا لا تنقطعوا عن ترتيل كلام ربكم، فما هو عذري أنا؟!
آه سامحني يارب كأني أقرؤها لأول مرة، لا أخفيكم سرًا، خجلت من نفسي كثيرًا، أيعقل أن أجد وقتًا لكل الأشياء ولا أجد نصف ساعة لتلاوة وردي؟ حينها فقط علمت كم كنت أكذب على نفسي!
كان قرارًا حاسمًا غيّر مجرى حياتي وأعاد إليها النور من جديد، فكلما هممت أن أحمل مصحفي توافدت أعذاري، فلاح لي قول ربي: “فاقرءوا ما تيسر منه”، وكلما تزاحمت أشغالي فلا أدري أيها خير لي بدا لي قول ربي:” هو خير مما يجمعون”، والله ما زاحم القرآن شيئًا إلا باركه فاقرءوا ما تيسر منه، فلم أنسَ هذه الآية كل ما انشغلت عنه بجمع مالٍ، تذكرت قوله تعالى: “اقرأ وربك الأكرم”، ففي الحقيقة لسنا بحاجة إلى وقتٍ كما نزعم، بل نحن بحاجة إلى عزمٍ صادق في قراءة الورد اليومي من القرآن الكريم.
اقرأ أيضا: طريقة حفظ الأيات الطويلة
الورد اليومي
عَرَّف المطرّزي صاحب كتاب المصباح المُنير الورد اليومي بأنّه: وظيفة مُحدَّدة من القراءة، ونَحوه، وعليه فإنّ الوِرد من القُرآن هو: مِقدار مَعلوم من قراءته؛ فقد يكون الرُّبع، أو السُّبُع، أو النصف منه، أو نَحو ذلك.
وفي الاصطلاح الشرعيّ، فالورد هو: ما يُحدّده الإنسان لنفسه في اليوم، أو الليلة من العمل، وذهب مكّي بن أبي طالب إلى أنّه: الوقت الذي يُخصّصه الشخص من ليلٍ، أو نهار؛ للتقرُّب إلى الله -تعالى-.
كما ذهب ابن قُتيبة إلى أنّ الورد هو: ما يُلزم الإنسان به نفسَه من قراءة القرآن الكريم كُلّ يوم، أمّا ابن جرير الطبريّ، فيرى أنّ الورد هو: مِقدار السُّوَر التي تُقرَأ في قيام الليل، وقد يكون هذا الورد يمثّل االقرآن كاملاً، ويُشار إلى أنّ كُلّ واحدٍ من الصحابة الكِرام -رضي الله عنهم- كان له وِرده الخاصّ به.
هناك ثلاثة أنواع من الأوراد التي تُستحَبّ للمُسلم المُحافظة عليها مهما كَثُرت شواغله، وهي كما يأتي:
- النوع الأول: وِرد القراءة، ويُستحَبّ أن يكون أقلّه جُزءاً واحداً من القُرآن؛ بحيث يختمه المسلم في الشهر مرّةً واحدة، وهو أقلّ حَدٍّ وَضَعه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لِمَن أرادَ أن يقرأه، وقد تستغرق قراءة هذا الوِرد من الإنسان ساعةً، أو أقلّ من ذلك.
- النوع الثاني: وِرد الحِفظ؛ بحيث يكون للمسلم مِقدارٌ يوميّ من الحِفظ، حتى وإن كان هذا الحِفظ يسيراً، كآيةٍ، أو آيتَين.
- النوع الثالث: وِرد التدبُّر؛ بحيث يكون هُناك تطبيق عمليّ للآيات؛ إذ يُطبّقها الشخص على شكل خُطوات ومراحل؛ فيجعل لنفسه كُلّ يومٍ آية، أو آيتَين، أو ثلاث؛ ليعيشَ معها في حياته، وتصرُّفاته جميعها.
اقرأ أيضا: أحاديث عن فضل القرآن
فضل قراءة الورد اليومي
هناك الكثير من الفضائل التي يتحصّل عليها الإنسان بتلاوته القرآنَ، وبيان بعضها فيما يأتي:
- تلاوة القرآن سبب في نَيل شفاعة القرآن يوم القيامة؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي قال فيه: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ). (( الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 804 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
- تلاوة آية واحدة من القرآن في الصلاة خَيرٌ من حُمر النِّعَم؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، أنّه قال: (أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 802 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
- تلاوة القرآن سبب من أسباب تنزُّل السكينة والطمأنينة؛ لِما فيه من راحة، وسعادة للقلب، وخاصّةً لِمَن يُعاني من ضيق الصَّدر، والقلق؛ فقد جاء عن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- أنّه قال: “لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربّكم”.
- تلاوة القرآن والعمل به سببٌ لرَفْع الدرجات في الجنّة يوم القيامة؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ : اقرأْ وارقَ ورتِّلْ، كما كنتَ تُرَتِّلُ في دارِ الدنيا، فإِنَّ منزِلَتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ كنتَ تقرؤُها). (( الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 6799 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
- تلاوة القرآن سبب من أسباب الهداية؛ فقد قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).
اقرأ أيضا: كيف يتدبر المسلم كتاب الله عز وجل