الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة

الشعر العربي القديم هو أصل كلّ ما جاء بعده من شعر، فالشعر عند العرب قديمًا كان يرفع من شأن قبيلة ويحطّ من قيمة أخرى؛ لذلك اهتم النقاد بالحديث عن الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة والقبيلة التي ينتمي لها الشاعر.

الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة

الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة

إذا كان الشاعر العربي القديم في خضم مسيرته قد عبر عن ذاته الشاعرة، فهذا لا يعني أنه لم يكن معبرًا عن الجماعة، فالشاعر الجاهلي أسمى ما كان في القبيلة، لسان حالها، في السراء والضراء، يعبر عنها وعن تاريخها، ويتغنى بأمجادها، فهو سجل حياة القبيلة ومجمع مآثرها، مرافعًا عنها ضد الأعداء، ومفتخرًا في حماسة واحتفالية بانتصاراتها ومبادئها، وتقاليدها وأعرافها.

ويبدو أن الشاعر عمرو بن كلثوم في معلقته، يبرز هذا الاتجاه نحو جماعة الشاعر، حيث الوعي الجمعي الذي يحتفل بالانتصارات في المعارك، الشاعر المحتفل بنصر قبيلته، يفتخر بها، ويهجو الخصم، ببرز بطش قوتها، ويبخس قدرة العدو، يذكر مآثرها، وتاريخها، ومبادئها، وما تتصف به من نبل وشجاعة وقوة وشرف.

ويمكن ملاحظة مدى تحول صورة الشاعر من فترة إلى فترة، ومدى تعلقه بجماعته، وتعلق جماعته به في العصور الأدبية الشعرية الأولى، فهو رئيس القبيلة وكاهنها، منصهر معها وفيها. كما أن القبائل في العصر الجاهلي كانت تقدم الهدايا والتهاني للقبيلة التي نبغ فيها الشاعر، والقبيلة التي ينبغ فيها الشاعر كانت تقيم الحفلات احتفاءً به.

واعتقد العرب وقتها أن لكل شاعر شيطانه الذي يوحي له بالشعر. وهذا الشيطان يمثل المجتمع حيث كان دائمًا ما يتداخل بشكل ذاتي وعاطفي في شعره، كأن هذا الشيطان فردٌ من أفراد القبيلة.

اختلف نمط القصيدة في العصر الإسلامي كثيرًا عن العصر الجاهلي من حيث المضامين والأغراض، فقد ارتبط الشعر الإسلامي بظهور الدعوة الإسلامية التي حملها الرّسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومن النماذج المعبرة عن الشعر العربي القديم والتعبير عن الجماعة في الإسلام، نجد الشاعر حسان بن ثابت يميل إلى الجماعة بعد أن انصرف عن اللهو والغزل ودخل في دين الإسلام.

كانت قصائد الصحابي الجليل حسان بن ثابت لسانا للدفاع عن جماعة الإسلام، والمنافحة عن الرسول وردًّا على هجمات قريش، ليكون شعره في مرحلته الجديدة معبرًّا عن الأمة الإسلامية وأخلاقها، ومكارمها، وقوتها في الغزوات، حتى إن الرسول محمدًا نفسه، أثنى عليه وقربه منه، ومنحه الغنائم، رغم أنه لم ينصره بالسيف ولم يشهد معه معركة، فقد كان شعره كافيًا، موظفًّا أغراضًا مثل المدح والفخر، لينصر جماعة الرسول والأمة الإسلامية.

بعد ذلك، ازدهر الشعر في العصر الأمويّ واتسعت مواضيعه، وتطوّرت أساليبه، وأصبحت معانيه وألفاظه أكثر رقة ولطافة مماشاةً لحالة العصر الجديد، والمظاهر السياسية، والدينية، والثقافية.

ظهرت الخلافات السياسيّة، والقَبَلية، والمذهبية بشدة في العصر الأموي ، الأمر الذي جعل مجموعة من الشعراء ينتظمون في أحزاب سياسية وفرق دينية، فأصبحوا أنصارًا لذلك. يمجدون انتماءاتهم الدينية والسياسية، ويرفضون من يختلف معهم من الأحزاب الأخرى المغايرة.

ولعل الشاعر الكميت من أبرز الشعراء المُعبرين عن الجماعة حيث انصرف في بداية إحدى هاشمياته عن الطرب والشوق والطلَل، وانطلق في ذكر فضائل بني هاشم وآل النبي مدافعا عن أحقيتهم في الحكم، ومؤيدًا خلافتهم ومشروعهم السياسي، منددًا بالحكم الأموي والمذاهب الأخرى من أمويين وخوارج.

في المقابل ظهر العديد من الشعراء المُدافعين عن الدولة الأموية مثل الأخطل الذي حظي باعتزاز الأمويين وإكرامهم، حيث أطلق عبد الملك بن مروان عليه لقب شاعر بني أمية، وخاصةً بعد مدحه لبني أمية في قصيدة خَفَّ القَطِينُ، وشكّل الأخطل مع كل من جَرير والفرزدق ما يُعرف بالمثلث الأمويّ؛ إذ إنّهم ابتكروا شعر النقائض.

يُعد شعر النقائض من أبرز ألوان الأدب حيث أنه عبارة عن مناظرات أدبية، ويرجع له الفضل الكبير في تسجيل أنساب العرب وحكاياتهم وصفاتهم وطريقة حياتهم وشكل أخلاقهم وعاداتهم، فكان تعبيرًا هامًا عن الجماعة في الشعر العربي القديم.

اقرأ أيضا: الشعر العربي والتعبير عن الذات

قصيدة ورثنا المجد

تُعتبر قصيدة ورثنا المجد لعمرو بن كلثوم من أهم قصائد الشعر العربي في التعبير عن الجماعة، حيث يقول فيها:

وَرِثْنَـا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّ

نُطَـاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـا

وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْ

عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـا

نَجُـذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِـرٍّ

فَمَـا يَـدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَـا

كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم

مَخَـارِيْقٌ بِأَيْـدِي لاَعِبِيْنَـا

كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنْهُـمْ

خُضِبْـنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَـا

إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَـافِ حَـيٌّ

مِنَ الهَـوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَـا

نَصَبْنَـا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ

مُحَافَظَـةً وَكُـنَّا السَّابِقِيْنَـا

بِشُبَّـانٍ يَرَوْنَ القَـتْلَ مَجْـداً

وَشِيْـبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَـا

حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعـاً

مُقَـارَعَةً بَنِيْـهِمْ عَـنْ بَنِيْنَـا

فَأَمَّا يَـوْمَ خَشْيَتِنَـا عَلَيْهِـمْ

فَتُصْبِـحُ خَيْلُنَـا عُصَباً ثُبِيْنَـا

وَأَمَّا يَـوْمَ لاَ نَخْشَـى عَلَيْهِـمْ

فَنُمْعِــنُ غَـارَةً مُتَلَبِّبِيْنَــا

بِـرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْـرٍ

نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَـا

أَلاَ لاَ يَعْلَـمُ الأَقْـوَامُ أَنَّــا

تَضَعْضَعْنَـا وَأَنَّـا قَـدْ وَنِيْنَـا

أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا

فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا

بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ

نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا

بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ

تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا

تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً

مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا

فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ

عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا

إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَـأَزَّتْ

وَوَلَّتْـهُ عَشَـوْزَنَةً زَبُـوْنَـا

عَشَـوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّـت

تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِيْنَـا

فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْـرٍ

بِنَقْـصٍ فِي خُطُـوْبِ الأَوَّلِيْنَـا

وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ

أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا

وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاً وَالخَيْرَ مِنْـهُ

زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا

وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً

بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا

وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ

بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَــا

وَمِنَّـا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ

فَـأَيُّ المَجْـدِ إِلاَّ قَـدْ وَلِيْنَـا

مَتَـى نَعْقِـد قَرِيْنَتَنَـا بِحَبْـلٍ

تَجُـذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَـا

وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَـزَازَى

رَفَـدْنَا فَـوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَـا

وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى

تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا

وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا

وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا

وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا

وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا

وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا

وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا.

اقرأ أيضا: شعر باللغة العربية الفصحى عن الوطن

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version