حكم تخلف الرجل عن صلاة الجماعة من غير عذر
تُعرَّف الجماعة في اللُغة بـ: الكثرة، والجمعُ؛ ولذلك يُسمّى المسجد بالجامع؛ لأنّه يجمع الناس، وهي صفة للمسجد، وسُمِّيت صلاة الجماعة بهذا الاسم؛ لتجمُّع الناس للصلاة في نفس الزمان والمكان، والاشتراك في العمل نفسه، وهناك العديد من الأحكام الشرعية المتعلقة بصلاة الجماعة مثل حكم تخلف الرجل عن صلاة الجماعة من غير عذر.
حكم تخلف الرجل عن صلاة الجماعة من غير عذر
حكم تخلف الرجل عن صلاة الجماعة من غير عذر هو أن فاعل ذلك آثم؛ لأن في ذلك معصية لله ورسوله لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. (( النساء: الآية 102 ))
ولقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 651 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى في الصف”، وهذا دليل على أن صلاة الجماعة من أجل الطاعات وأعظم القربات.
لكن العلماء اختلفوا فيها على أقوال:
- فمنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة، أن من صلى في بيته بدون عذر شرعي فإن صلاته باطلة، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن عقيل رحمهما الله.
- ومنهم من قال: إنها فرض عين، وإن تركها يأثم.
- ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين.
- ومنهم من قال: إنها سنة مؤكدة وفسروها بأن تاركها يأثم.
والصواب أن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز التخلف عنها، وأن المتخلف عنها آثم وعاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “صَلَاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِن صَلَاةِ الفَذِّ بسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً” (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 650 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) ولو كانت صلاة الفذ لا تصح ما كان فيها فضل، ولا يصح مع الجماعة يكتب له الأجر كاملاً إذا تخلف عن الجماعة لعذر.
اقرأ أيضا: بماذا صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد
الأعذار التي تبيح ترك صلاة الجماعة
للتخلُّف عن الجماعة مجموعة من الأعذار التي تُبيح للمُسلم تركها؛ منها ما يكون عذراً عامّاً، ومنها ما يكون عذراً خاصّاً، كما يأتي:
الأعذار العامة: كالمطر الشديد الذي يصعب معه الخروج لأداء صلاة الجماعة، والريح الشديدة في الليل؛ لمَظنّة حصول المَشقّة، والعتمة والظُلمة الشديدة إن كان لا يُرى معها الطريق إلى المسجد، والطين الشديد الذي يُؤذي الإنسان في النفس، والثوب، وكره أبو حنيفة ترك الصلاة بسبب الطين.
الأعذار الخاصة: كالمرض الذي يصعب معه الخروج إلى المسجد؛ لفِعل النبيّ -صلّى الله عيه وسلّم- عندما مرض، فقد أمر أبا بكر بالصلاة بالناس، ولم يخرج هو إليها، والخوف على النفس، أو المال، أو الأهل؛ لحديث النبيّ: (من سمع المنادي فلم يمنعْه من أتباعِه عذرٌ قالوا: وما العذرُ؟ قال خوفٌ أو مرضٌ لم تُقبلْ منه الصلاةُ التي صلَّى). (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 551 | خلاصة حكم المحدث : ضعيف بهذا السياق ))
ويُعذَر الإنسان في حال حضور الطعام الذي تشتهيه نفسه، ومدافعة الأخبثَين، أو أحدهما؛ لمَظنّة عدم الخشوع؛ لحديث النبيّ: (لا صلاةَ بحَضْرَةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأَخْبَثانِ). (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 560 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
كما يُعذَر من أكل شيئاً ذا رائحة كريهة تُؤذي المُصلّين، كالبصل، أو الثوم؛ لقول النبيّ: (مَن أكَلَ مِن هذِه البَقْلَةِ، الثُّومِ، وقالَ مَرَّةً: مَن أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والْكُرَّاثَ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا، فإنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى ممَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ). (( الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 564 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
قاس العلماء على ذلك مَن كان معه مرض يتأذّى به الناس، كالبرص، ومن لم يجد ما يستر به عورته، ومن غلبه النعاس أو النوم، ومن أراد السفر، وحال الزفاف إلى الزوجة عند الشافعية والحنابلة، إلّا أنّ المالكية لم يرَوا ذلك عُذراً مُبيحاً لترك الجماعة.
وذهب الشافعية إلى أنّ الوزن الزائد من الأعذار المُبيحة لترك صلاة الجماعة، وذهب الحنفية إلى أنّ العمى من الأعذار المُبيحة لترك الجماعة، ولم يعتبره الجمهور عُذراً، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ من الأعذار المُبيحة للشخص التخلُّف عن صلاة الجماعة إطالة إمامه في الصلاة تطويلاً زائداً عن السنّة.
اقرأ أيضا: أحاديث عن صلاة الجماعة