دفع حب الإنسان لمعرفة ما سيحدث في المستقبل إلى تجربة كل الأساليب التي يعتقد أنها يمكن أن تخبره بالغيبيات، ومن ذلك رؤية الطائر وإعادة بنائه وقراءة خطوط الكف، ولكن كل هذه الأعمال ليست سوى أساطير وأكاذيب من صنيع الكهان والعرافين؛ لذلك من الأحكام التي يجب أن يعرفها كل مسلم حكم من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول أو لم يصدقه.
حكم من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول
حرّم الإسلام إتيان العرافين والكهان والمنجّمين وغيرهم تحريماً شديداً لما في ذلك من نشر الوهم والشرك والكفر بالله تعالى والعياذ بالله، ووجب على المسلم أن يجتنب هؤلاء المزيفين والكافرين بما جاء به القرآن الكريم.
ذكر علماء أهل السنة والجماعة أن لفظ الكاهن في القرآن الكريم جاء في سياق الذم ونفيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) وجاء في السنة النبوية بيان كذبهم وخداعهم للناس والنهي عن الأكل من كسبهم، فعن عائشة، قالت: قلت: يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ الكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قالَ: تِلكَ الكَلِمَةُ الحَقُّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2228 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وعن عائشة، قالت: كانَ لأبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ له الخَرَاجَ، وكانَ أبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِن خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بشَيءٍ، فأكَلَ منه أبو بَكْرٍ، فَقالَ له الغُلَامُ: أتَدْرِي ما هذا؟ فَقالَ أبو بَكْرٍ: وما هُوَ؟ قالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ، وما أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إلَّا أنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فأعْطَانِي بذلكَ؛ فَهذا الذي أكَلْتَ منه. فأدْخَلَ أبو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شيءٍ في بَطْنِهِ. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3842 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
اختلف العلماء في حكم من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول مستندين إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزِلَ على محمدٍ”. (( الراوي : [علقمة بن قيس] | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 3049 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
إذ ظاهر الحديث يشير إلى كفر من صدق كلام الكهنة والعرافين، فقال بعض العلماء إنه كفرٌ أصغر لا يخرج فاعله من الملة، وقال آخرون لا نجزم بقولنا ولا نقول أهو كفرٌ أصغر أم أكبر، الرّاجح أنه كفر أكبر إذا صدق دعوى الكاهن في معرفته لعلم الغيب، أمّا لو صدقه في قضية واحدة مثل شي يتعلق بمرض أو دراسة أو غيرها فيُعدّ كفرًا أكبر، والله أعلم.
أما من أتى كاهنًا أو عارفًا فسأله لمجرد السؤال والفضول ولم يصدقه، لا يعد فعله كفرًا لكنه فعل كبيرة من الكبائر استنادًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أَتَى عَرَّافًا فسأله عن شيءٍ، لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ ليلةً” (( الراوي : بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2230 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) ويحرم ثواب الصلاة أربعين يوماً عقوبة له على فعل مثل هذه المعصية فلا يجوز هذا الفعل، بل ويجب عليه التعزير والزجر والتأديب اللازم حتى يقلع عن هذه الباطل المنكر.
اقرأ أيضا: من طرق الرقية الشرعية
الفرق بين الكاهن والعراف
هناك قولان لأهل العلم حول الكهان والعرافين، فأمّا القول الأول فهو أنه لا فرق بين العراف والكاهن، إذ هما مسميان لنفس الحالة أي هما مترادفان، أما القول الثاني فقد ذهبوا إلى التفريق بين الكاهن والعراف، فقالوا إنَّ الكاهنُ هو الذي يعطي الأخبار عن المستقبل ويقول إنه يعرف كل الأسرار، وقد يدعي بعضهم أنه على اتصال بالجن والشياطين، أمّا العرّاف فهو من يزعم معرفة الماضي والأمور التي حصلت، وذلك بمقدمات وأسباب يستدل بها على الماضي، كأمور السرقة مثلًا ونحو ذلك.
اقرأ أيضا: مقال عن السحر
حكم سؤال الكاهن والعراف ليقيم عليهم الحجة
إن المسلم إذا شهّر بالكاهن وزمرته وبين كذب الكهنة والعرافين وأقام الحجة ببطلان ما يدعون وينكر فعلهم بذهابه إلى مكانهم فلا حرج ومباح بل وذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك إن كان يستطيع ذالك، لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واستدلوا على ذلك بحديث صحيح للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع ابن صياد لمّا قَالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَاذَا تَرَى؟” قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وكَاذِبٌ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:”خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ؟” قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنِّي قدْ خَبَأْتُ لكَ خَبِيئًا”، قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: هو الدُّخُّ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:”اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ”. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6618 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح ))
اقرأ أيضا: ادعية فك السحر والعين والحسد