المساكين أشد حاجة من الفقراء
شرّع الديّن الإسلامي الزّكاة والصّدقة لحكمةٍ كبيرةٍ ومصلحةٍ واسعة، فالزّكاة دليلٌ على صدق إيمان المزكّي وهي سببٌ من مسببات دخول الجنّة هي تجعل المجتمع الإسلامي كالأسرة الواحدة فهي تجعل الغنيّ يعطف على الفقير وتريح غير مسار الفقير وتخفّف عنه شدّته، ومن الأسئلة التي يجب على المسلم معرفة إجابتها هل المساكين أشد حاجة من الفقراء أم العكس.
المساكين أشد حاجة من الفقراء
الإجابة عن سؤال هل بالفعل المساكين أشد حاجة من الفقراء ؟ هي لا، فالفقيرُ أشدُّ حاجةً مِنَ المِسكينِ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، وقَولٌ للمالكيَّةِ، واختاره ابنُ حزمٍ، وابنُ باز وابنُ عُثيمين، وفيما يأتي بيان الأدلة:
الأدلة من القرآن على أن الفقير أشد حاجة من المسكين
- قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ…}، ووجه الدَّلالة: بداءةُ اللهِ بهم، وإنما يشرعُ بالأهمِّ فالأهَمِّ.
- قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}، وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ تُفيدُ أنَّ الفقيرَ هو الذي لا مالَ له أصلًا; بدليل أنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أنَّهم أُخرِجوا مِن ديارِهم وأموالِهم.
- قال اللهُ تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، وجه الدَّلالة: أنَّه أخبَرَ أنَّ لهم سفينةً يعملونَ فيها، فدلَّ على أنَّ المسكينَ ليس مُعدِمًا، وإنَّما له شيءٌ لا يَكفيه، فدلَّ على الفرْقِ بينه وبين الفَقيرِ المُعدِمِ.
الأدلة من السنة على أن الفقير أشد حاجة من المسكين
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “ليسَ المِسْكِينُ الذي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، ولَا اللُّقْمَةُ ولَا اللُّقْمَتَانِ، إنَّما المِسْكِينُ الذي يَتَعَفَّفُ، واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا}”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4539 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وجه الدَّلالة: أنَّ الحديثَ يشيرُّ على أنَّ المسكينَ هو الذي لا يجِد غِنًى إلَّا أنَّ له شيئًا لا يقومُ له، فهو يصبِر ويَنطوي، وهو محتاجٌ، ولا يستفسرُ.
ومن الأدلة أيضًا: أنَّ الاشتقاقَ اللُّغويَّ يشيرُّ على أنَّ الفقيرَ أسوأُ حالًا مِنَ المسكينِ؛ فالفقير يُطلَقُ على مَن نُزِعَت فِقرةُ ظَهرِه فانقطَعَ صُلبُه، أمَّا المسكينُ فهو مِنَ السُّكونِ، وهو الذي أسكنَتْه الحاجةُ.
اقرأ أيضًا: من هم الفقراء والمساكين
الفرق بين المسكين والفقير
المسكين والفقير من مستحقي الزكاة المذكورين في قوله تعالى (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها..) والمسكين هو الفقير الذي لا يوجد عنده مال كافٍ، أمّا الفقير يكون أشدّ حاجة من المسكين، أما من يكون عنده دخل من وظيفة، أو كسب، أو وقف يكفيه لإطعام نفسه أو من يعيلهم، وكسوتهم لا يطلق عليه فقير ولا مسكين، ولا تجوز عليه الزكاة.
ويمكن القول أن كل مسكين هو فقير، ولكن ليس كل فقير مسكين، ولا يوجد فرق بين الفقير والمسكين من حيث الحاجة، واستحقاق الزكاة، وإنّما يتمثل الفرق في أيهما أشد حاجة بسبب شدةِ فقره.
كما يتمثل الفرق في أنّ الفقير يكون في الظاهر متعففًا ولا يسأل الناس شيئًا، خاصة إذا كان هذا الشيء له، أما المسكين فهو يسأل الناس، ويطوف، ويتبعهم على الرغم من وجود ما يكفيه، ولهذا السبب قدم الله تعالى الفقراء على المساكين، لأنهم أسوأ حالًا، وأحوج الناس.
اقرأ أيضًا: هل تعلم عن الفقراء والمساكين
زكاة الفقراء والمساكين
إنّ أهل المنزل الواحد في حال كانوا فقراءً أو مساكين فإنّه ليس هنالك أيّ حرج في أن تدفع إليهم الزّكاة كلهم، وليس هناك أيّ عبرة بوجود الأب إذا كان فقيراً، لأنّ وجوده وهو فقير يكون كعدمه، وبالتالي تدفع الزّكاة إليه، أو إلى زوجته، أو إلى أولاده، أو إليهم جميعًا سواءً، ولا يوجد أيّ حرج في ذلك كله.
وإنّ لهم أن يدفع لهم من الزّكاة ما يرفع عنهم اسم الفاقة والفقر، أمّا في حال دفع للأب ما يصير به غنيًّا، فإنّه من غير الجائز أن تدفع الزّكاة إلى أولاده، ولا حتى إلى زوجته في هذه الحالة، وذلك لوجوب نفقتهم على الأب، وهذا بخلاف الزّوجة إن كانت غنيّةً أصلًا، أو دفع لها من الزّكاة ما يمكن أن تستغني به، فإنّه لا يمنع ذلك من أن يتمّ دفع الزّكاة لزوجها حيث كان فقيرًا.
وفي حال كان الشّخص الذي يريد دفع الزّكاة إلى أهل في منزل واحد هو واحد من أفراد الأسرة نفسها، فإنّه لا يجوز له أن يدفع الزّكاة إليهم جميعًا، ولا إلى أحد منهم، لأنّه في هذه الحالة إمّا أن يكون أباً أو أحد أولاده، وبالتالي فإنّه تجب عليه نفقة باقي الأسرة المحتاجين، وكلّ من وجبت عليه نفقة شخص لا يكون جائزًا أن يدفع زكاة ماله إليه.
ولكن هناك استثناء واحد وهو في حال إذا كان الذي يريد إخراج زكاة ماله هو الأم في الأسرة، فإنّه يجوز لها أن تدفع زكاة مالها لزوجها المحتاج، وذلك لما جاء في صحيح البخاري، من أنّ زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت:” يا نبي الله إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حلي فأردت أن أتصدّق به، فزعم ابن مسعود أنّه هو وولده أحقّ من تصدّقت عليهم، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت عليهم ” (( الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1462 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) وإنّ جواز دفع زكاة المرأة إلى زوجها هو مذهب الإمام الشافعي، وإحدى الرّوايتين عن مالك وأحمد.
اقرأ أيضًا: أحاديث عن مساعدة الفقراء