سورة المسد سورة مكية من المفصّل، وتسمى بسورة: تبت، تتكوّن من خمس آيات، وتقع في المصحف بترتيب مئة وإحدى عشر بالنسبة لباقي السور، وكان نزولها بعد نزول سورة الفاتحة، وتُبيّن مقاصد سورة المسد هلاك وخسارة “أبي لهب” الذي كان شديد العداء لله ورسوله، فما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ولا ما كسب من جاه.
مقاصد سورة المسد
تتمثل مقاصد سورة المسد الإجمالية في البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عن الوصف، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو له أصلاً، حثاً على التوحيد من سائر العبيد، ولذلك وقعت بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار، واسمها تبّت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه السورة.
جاءت مقاصد سورة المسد التفصيلية على النحو التالي:
يستنكر الإسلام أفعال الظالمين وتعديهم بأمورهم، وإن كانوا من رؤساء القوم وزعمائهم، وذلك ما حصل بأبي لهب، فالإسلام لا يعد دينا سياسيا أو تظاهريا، كما أن الأمور والشؤون السياسية جزء من الدين الإسلامي، فكما أن الإسلام حدد العلاقة بين العبد وربه فإنه حدد العلاقة بين العباد.
بيّن القران الكريم كيفية الرد والصد للاضطهاد السياسي الذي قد يقع، فاستنكر الله تعالى بالايات التي أنزلها ما كان من أبي لهب، عندما قاطع خطاب النبي عليه الصلاة والسلام وصرف الناس عن دعوته عندما وقف الرسول عليه الصلاة والسلام خطيبا بالناس يدعوهم إلى الحق، وكان أبو لهب مستخدما لمكانته في القوم وشأنه، ولذلك كان الرد على أبي لهب من الله تعالى وليس من الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يعلم الناس جميعهم أن الله تعالى يجازي الظالمين على ظلمهم ولا يتركهم دون حساب، فالله تعالى ينصر عباده، ويؤيد من اتبعه واتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
تقرير أن أبا لهب كان عالما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادقا في دعوته، فأبو لهب عم النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك خص الله تعالى بعض المكذبين بأسمائهم، فالتكذيب من أقرب الناس يكون أشد وذا أثر أكبر في قلوب المدعويين، وذلك مصير كل مكذب بالله تعالى وبدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التأكيد على وجود مصير للظالم في الحياة الاخرة، فمصير وعذاب الحياة الدنيا لا عبرة بهما، حيث قال الله تعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون)، فالله تعالى لم يذكر مصير أبي لهب في الحياة الدنيا، واكتفى بذكر مصيره في الحياة الاخرة.
الإشارة إلى أن الظلم ينتشر، وتقوى شوكة الظالمين بنصرة بعضهم لبعض، ولذلك دور كبير في زرع الفتنة بين المسلمين، فكانت زوجة أبي لهب تنشر الفتنة، وتسعى في النميمة، وورد أنها كانت تضع الشوك ليلا في طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، فالجزاء يكون بحسب العمل الذي قدمه العبد في حياته الدنيا.
الرد على الظالمين يكون بالقول، ويترجم القول إلى العمل والفعل، فاختصر الرد على أبي لهب بالدعاء عليه، وباليقين وتقرير وقوع العذاب به، وذلك مما يدل على إعجاز القران الكريم، الذي أخبر بجزاء ومصير أبي لهب.
الدلالة على أن الكفر لا ينتصر أبدا ما دام الهدف الذي يسعى إليه يتمثل بالصد عن سبيل الله تعالى، فمهما كانت القوة التي يستند إليها الكافر في تحقيق مقصده من الأموال والأسباب إلا أنه لن ينتصر على الحق، ولن يغني شيئا من بطش وجزاء الله تعالى.
اقرأ أيضا: لماذا سمي أبو لهب
مناسبة سورة المسد لما قبلها
ترتبط سورة المسد بسورة النصر التي تسبقها في الترتيب، ويتمثل وجه اتصالها بما قبلها في أنه لما قال: {لكم دينكم ولي دين} فكأنه قيل: إلهي وما جزائي فقال الله له: النصر والفتح، فقال: وما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام فقال: {تبت يدا أبي لهبٍ}.
وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر معللاً بقوله: {ولي دين} ويكون الوعيد راجعاً إلى قوله: {لَكُم دينكُم} على حد قوله: {يومَ تبيضُ وجوه وتَسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم}، فتأمل في هذه المجانسة الحافلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من أواخر ما نزل. ووجه آخر وهو: أنه لما قال {لَكُم دينكُم ولي دين} كأنه قيل: يا إلهي ما جزاء المطيع قال: حصول النصر والفتح فقيل: وما ثواب العاصي قال: الخسارة في الدنيا والعقاب في العقبى كما دلت عليه سورة تبت.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة المسد