تقع سورة قريش في الجزء الثلاثين وفي الحزب الستين، وقد نزلت بعد سورة التين، وهي سورة لم يُذكرْ فيها لفظ الجلالة أبدًا، وتعنى مقاصد سورة قريش بدعوة الناس إلى عبادة الله تعالى والإقرار بوحدانيته وشكر النعم التي يتفضل بها على عباده.
مقاصد سورة قريش
عند الحديث عن مقاصد سورة قريش المباركة، لا بدَّ من الإشارة أولًا إنَّ هذه السورة من قصار السور؛ وهذا ما يجعل مقاصدها بسيطة وصغيرة متناسبة مع عدد آياتها، وتتمثل المقاصد الإجمالية لسورة قريش في الترغيب بعبادة الله الذي ألّف شملهم، وأنعم عليهم بالرزق، ووهبهم الأمان. فالعبادة فيها مصلحة كبيرة للناس، وتدوم بها النعم. ويفهم منه في المقابل أن من يعبد غير الله يتشتت شمله ويجوع ويخاف.
بالنسبة إلى المقاصد التفصيلية لسورة قريش، فقد تحدَّثتْ عن قبيلة قريش ونزلتْ فيهم، حيث يقول الله تعالى في مطلعها: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}، والإلف في هذه الآية المباركة يعني الضم والجمع والوحدة، والمقصود هنا كيف كانت قريش تجمع بضائعها وتتجه في الشتاء نحو اليمن، وفي الصيف نحو الشام، فكانت قريش تعيش بنعمة كبيرة من الله تعالى برحلاتها التجارية هذه.
قال تعالى: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}، أي اجتماعهم في رحلة الشتاء والصيف، ثمَّ يأمر الله تعالى قريش بعبادته وتوحيده، فهو رب البيت الحرام الذي هيأ لهم هذا الرزق وهذا الأمن وهذه الرحلات التجارية التي تعتاش منها قريش كاملة.
يقول الله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ}، وإنَّما إضافة الله تعالى لربوبيته تشريف وتعظيم، فالله تعالى يدعو لعبادته دعوة صريحة ويدعو إلى نبذ الأصنام وغيرها من الآلهة الزائفة التي اتخذتها قريش، ثم يقول الله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وهنا يبيِّن الله -سبحانه وتعالى- على أهل قريش، فهو المطعم الكاسي، الذي أطعمهم وكساهم وأمَّنهم، ويقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: “أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ، وَذَلِكَ بِدَعوَةِ إِبرَاهِيمَ -عليه السَّلام- حَيثُ قَالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة ق
هدايات سورة قريش
تشتمل سورة قريش على الكثير من الهدايات ومن هذه الهدايات ما يأتي:
- نعم الله على عباده عديدة ولا تحصى، ومن أعظم هذه النّعم بعد نعمة الإيمان: نعمة الأمن نعمة الطّعام والشّراب، قال الله تعالى ممتنًّا على عباده بنعمة الأمن: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}، وقال أيضّا ممتنًّا عليهم بنعمة الغذاء: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم}.
- دوام هذه النّعم واستمراريّتها وبقاءها يستلزم شكرها، ويكون ذلك بالوقوف عند أوامر الله تعالى ونواهيه، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}.
- شكر هذه النّعم إنّما يكون بالقلب ثمّ بالقول ثمّ يقرن بالعمل، قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، وإنّ ذهاب هذه النّعم يكون بكثرة المعاصي والذّنوب، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار}.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة قريش
لطائف سورة قريش
تتضمن سورة قريش العديد من اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {الذي أطعمهم من جوع وامنهم من خوف}، فقد قدم الجوع على الخوف، ويرجع السر في ذلك أنه عندما كان الحديث عن رحلة قريش، وهي رحلة تجارة وطلب للرزق، والرزق هو طعام، فقدم الجوع على الخوف، وكذلك عندما قدم رحلة الشتاء على رحلة الصيف، فالناس في الشتاء يحتاجون إلى الطعام أكثر من الصيف لذلك قدم الجوع وأخر الخوف، وبالمقابل الناس يحتاجون في الصيف إلى الأمن أكثر من الطعام، لذلك أخر الخوف ليتناسب مع تأخير الصيف
من أبرز لطائف سورة قريش أنها متصلة بالتي قبلها في تكامل المعنى. يقول: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي لتأتلف، أو لتتفق قريش، أو لكي تأمن قريش فتؤلف رحلتيها. وممن عد السورتين واحدة أبي بن كعب، ولا فصل بينهما في مصحفه، ويقول الإمام الفخر عن التناسب بين سورة قريش وسورة الفيل التي تسبقها: “اعلم أن الإنعام على قسمين: أحدهما دفع ضر وهو ما ذكره في سورة الفيل، والثاني: جلب منفعة وهو ما ذكره في هذه السورة ولما دفع الله عنهم الضر وجلب لهم المنفعة وهما نعمتان عظيمتان أمرهم تعالى بالعبودية وأداء الشكر”.
اقرأ أيضا: أحاديث عن قبيلة قريش