تقع سورة الفيل في الربع الثامن من الحزب الستين والجزء الثلاثين والأخير من القرآن الكريم، وهي من السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل الهجرة إلى المدينة، كما أنها سورة من سور المفصّل حيث يبلغ عدد آياتها خمس آيات فقط، وترتيبها الخامس بعد المئة في المصحف الشريف، نزلت سورة الفيل في مكة المكرمة بعد سورة الكافرون، وتعظم مقاصد سورة الفيل لأنها تبين عظمة الكعبة وحماية الله لها.
مقاصد سورة الفيل
تعتبر سورة الفيل سورة من السور القصار في القرآن الكريم، فهي تتألف من خمس آيات فقط، ولهذا من الطبيعي أن تكون مقاصدها أقل من مقاصد طوالِ السّور في القرآن الكريم، ويمكن حصر مقاصد سورة الفيل الإجمالية في إنذار شديد وتحذير من غضب الله وقدرته على صرف كيد أعداءه، فيضلّهم ويهزمهم ويهلكهم. ويفهم منه بالمقابل: البشارة للمؤمنين بدفاع الله عن حرماته ونصره أولياءه المؤمنين نصراً يرونه بأعينهم أو يسمعون عنه خبراً أكيداُ كالمشاهدة.
عند الحديث عن مقاصد السورة من الناحية التفصيلية، فإن سورة الفيل قد ذكرت الفيل قصة أصحاب الفيل الذين جاؤوا من اليمن بالفيلة لهدم بيت الله الحرام، وتسرد السورة مصير هؤلاء الذين سلَّط الله عليهم طيرًا من سجيل رمت عليهم حجارة ملتهبة فَشَوتْ وجوههم وخلَّفتهم جُثثًا هامدة، قال تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
كما أنَّ مطلع السورة يبين الغرض منها، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، هذا الاستفهام الكائن في الآية السابقة دليل واضح المعالم على أنّ المقصد الرئيس من ذكر سورة الفيل هو ضرب الأمثال في سبيل موعظة الناس، فالله تعالى سرد أخبار الأمم السابقة حتَّى يبيَّن للمسلمين العاقبة، وهذا الأسلوب كثير في كتاب الله تعالى.
يقول ابن كثير في تفسير سورة الفيل: “هذه من النعم التي امتنَّ الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّبَ سعيهم، وأضلَّ عملهم، وردَّهم بشرِّ خيبة، وكانوا قومًا نصارى وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالًا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإِرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال”.
قصة أصحاب الفيل
قصة أصحاب الفيل هي قصة تتحدث أبرهة والي النجاشي في اليمن على مكة المكرمة لهدم بيت الله الحرام، فقد بنى أبرهة الحبشي كنيسة كبيرة في اليمن ورغب أن يحج الناس إليها من دون مكة، فقرر هدم الكعبة حتَّى يحج الناس إلى الكنيسة التي بناها في اليمن.
جهز أبرهة جيشًا جرارًا مدعومًا بالفيلة، وسار به إلى مكة المكرمة، وفي الطريق تعرّض الجيش لمجابهة من بعض قبائل العرب ولكنَّ هذا لم يوقف تقدمه أبدًا، وعندما اقترب الجيش الحبشي من مكة، أخذ بعض الإبل والمواشي من رزق أهل مكة، وكان من الإبل مئتي بعير لعبد المطلي جد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكبير قريش وخير سادتها.
ذهب عبد المطلب إلى أبرهة وطلب منه ما أخذ جيشه من الإبل، فقال أبرهة: “أتكلِّمني في مئتي بعير أصبتها لك وتتركُ بيتًا هو دينكَ ودين آبائك، قد جئت لهدمه ولا تكلّمني فيه؟”، فردَّ عبد المطلب عليه قائلًا: “إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رب سيحميه”، فأرجع أبرهة إبل عبد المطلب وعاد إلى مكة ونادى بالناس أن يخرجوا إلى الجبال مبتعدين عن خطر الجيش الحبشي الجرار.
تقدم جيش أبرهة إلى مكة، وعندما وصل أمر أبرهة أن يؤتَى بالفيل لهدم الكعبة، فلمَّا جاؤوا بالفيل تيبَّس الفيل في مكانه ولم يتحرك رغم ما تلقَّى من الضرب والعذاب، ثمَّ بعث الله تعالى طيرًا أبابيل رمتْ جيش أبرهة بالحجارة الملتهبة من سجيل، فلم يبقَ من الجيش أحد على قيد الحياة، قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الكعبة
لطائف سورة الفيل
تشتمل سورة الفيل على بعض اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}، وفي هذه الآية أسلوب الاستفهام القائم على كلمة “ألم ترَ” له معنيان، الأول السؤال عن الرؤية البصرية أو القلبية، ومثالها: “ألم ترَ الأمر كما أراه”، وهذا المعنى الأول.
أمَّا المعنى الثاني وهو المعنى المقصود في الآية الكريمة هو التعجيب، ويكون هذا المعنى للتعجيب بالسؤال عن أمر تمَّتْ رؤيته أم لم تتمَّ، ومثلها قول الله تعالى في سورة النحل: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ}، ففي الآية الكريمة في سورة الفيل جاء معنى “ألم تر” تعجبيًّا، القصد منه التعجيب وفي هذه الحالة لم تتحقق الرؤية العينيَّة، فالله تعالى يخاطب رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويسأله عن أصحاب الفيل وأصحاب الفيل هم جيش أبرهة الذي غزوا مكة قبل ولادة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- بفترة قصيرة، ولهذا كان المقصود من السؤال التعجب من قدرة الله تعالى دون رؤية عينية.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الفيل