سورة العصر المباركة سورة من السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وهي سورة قصيرة من قصار سور القرآن الكريم ومن سور المفصل، يبلغ عدد آيات سورة العصر ثلاث آيات قصيرة فقط ومع ذلك تعظم مقاصد سورة العصر؛ لأنها جاءت في غاية الإيجاز والبيان لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته، وفلاحه في الحياة أو خسرانه ودماره.
مقاصد سورة العصر
تتمثل مقاصد سورة العصر الإجمالية في تفضيل نوع الإنسان المخلوق من علق، وبيان خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي لأنه خلاصة الكون ولباب الوجود، واسمها العصر واضح في ذلك. وقيل: إنها شملت جميع علوم القرآن.
جاءت مقاصد سورة العصر التفصيلية باعتبار ترتيب آياتها على النحو التالي:
أقسم الله تعالى في الآية الأولى من السورة بالعصر باعتبار أنه آية عظيمة تدل على قدرة الله تعالى على خلق العالم وأحواله، فهو سبحانه خالق الزمان والمكان؛ {والعصر} زمن يذكِّر بأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة، أو عصرٍ معين مبارك.
وقد ذكر المفسرون في معناه أقوال: هو الدهر، أو الزمن كلّه، أو أحد طرفي النهار، أو صلاة العصر، أو زمان الرسول عليه السلام، أو يجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم؛ والعصر في النتيجة هو من أعظم النعم على الإنسان، فلو ضيع ألف سنة، ثم تاب في اللمحة الأخيرة من العمر بقي في الجنة أبد الآباد.
تُعتبر الآية الثانية من السورة جواب القسم أن الإنسان في خسر: وهو هلاك رأس المال أو نقصه. فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران، لأنه عمل في إهلاك نفسه، وهما أكبر رأس ماله. قال بعضهم: إن الإنسان لا ينفك من خسر لأن عمره رأس ماله، فإفناء العمر فيما يمكن أن يكون خيراً منه عبارة عن الخسران.
وجه ذلك أنه إن أفنى عمره في المعصية فخسره وحسرته ظاهران، وإن كان مشغولاً بالمباحات فكذلك لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملاً يبقى أثره ولذته دائماً، وإن كان مشغولاً بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها على وجه أحسن لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية.
تستعرض الآية الثالثة من السورة المستثنين من الخسر وهم من اتصفوا بهذه الصفات الآتية:
- الإيمان: والإيمان أن يؤمن الإنسان بقلبه ويصدِّق هذا الإيمان بلسانه وعمله.
- الأعمال الصالحة: والصالحات هي الأعمال التي من شأنها أن تُكسب الإنسانَ رضى الله -سبحانه وتعالى- والعمل الصالح هو جزء من الإيمان، فالإيمان لا يتحقق إلَّا بالعمل لذلك عطف الله تعالى العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة.
- التواصي بالحقِّ: والتواصي أن يوصي الإنسان أخاه الإنسان بالخير والإحسان والمعروف، فالتواصي هو أن يأمر أو يوصي الإنسان أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر، قال تعالى في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
- التواصي بالصَّبر: إنَّ عطف التواصي بالصبر على التواصي بالحق كان بحكمة عظيمة، فقول الحق يحتاج إلى الصبر، لأن الآمر بالمعروف سيلحقه من الناس ما يلحقه من الأذى والتجريح، فعلى الإنسان أن يكون صبورًا في دعوته إلى الله الواحد وفي أمره الناس بالمعروف ونهيه الناس عن المنكر.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة لقمان
لطائف سورة العصر
ترتبط سورة العصر بالسور التي تسبقها وتليها في الترتيب، فلما قال في سورة القارعة:{فأُمهُ هاوية (9)} قيل: لم ذلك؟ فرد في سورة التكاثر: لأنكم {أَلهاكُم التكاثُر (1)}، فاشتغلتم بدنياكم وملأتم موازينكم بالحطام فخفت موازينكم بالآثام، فقال في سورة القارعة {وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9)}، ولهذا أعقبها بسورة العصر المشتملة على أن الإنسان في خُسر، بيان لخسارة تجارة الدنيا وربح تجارة الآخرة، ثمّ أعقبها بسورة الهمزة المتوعد فيها من {جمع مالاً وعدّده (2) يحسب أن ماله أخلده (3)} الهمزة، فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع وحسن اتساقها.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة العصر