مقاصد سورة البينة
سورة البينة سورة مدنية، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد سورة الطلاق، وتعتبر سورة البينة من سور المفصل، وهي تتألف من ثماني آيات فقط لذلك فهي من قصار سور القرآن الكريم، وهي السورة الثامنة والتسعون من ترتيب سور القرآن الكريم، تقع سورة البينة في الجزء الثلاثين والحزب الستين، وتُحدد مقاصد سورة البينة موقف أهل الكتاب من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع بيان مصير الناس على اختلافهم في الآخرة.
مقاصد سورة البينة
تتمثل مقاصد سورة البينة في الإعلام بأن هذا الكتاب القيم من علو مقداره وجليل آثاره أنه كما أنه لقوم نور وهدى فهو لآخرين وقر وعمى، فيقود إلى الجنة دار الأبرار، ويسوق إلا النار دار الأشقياء الفجار، وعلى ذلك دل كل من أسمائها {الذين كفروا} و {المنفكين} بتأمل الآية في انقسام الناس إلى أهل الشقاوة وأهل السعادة.
جاءت مقاصد سورة البينة التفصيلية على النحو التالي:
ابتدأت السورة بالحديث عن اليهود والنصارى وتكذيبهم لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام مع علمهم بصدق نبوته، قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ {1} رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً {2} فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ {3}).
تحدثت عن إخلاص العبادة لله الذي أمر به جميع الأديان و إفراده تعالى والتوجه له بكافة الأقوال والأفعال ، قال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ {4} وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}).
خُتمت سورة البينة ببيان مصير أهل الكتاب والمشركين وخلودهم في نار جهنم ومصير المؤمنين وخلودهم في الجنة، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {6} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ {7} جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {8}).
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الطلاق
لطائف سورة البينة
تحتوي سورة البينة على عدة لطائف بيانية ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}، فمن الملاحظ أنّ الله تعالى ذكر عذاب وعاقبة الذين كفروا بقوله: “نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا”، أمّا في جزاء الذين آمنوا قال تعالى: “خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا”، ممّا يطرح تساؤلًا عن الفرق بين الموضعين ولما ذكر “أبدًا” في موضع ولم يذكرها في موضعٍ آخر.
وقد أجاب الدكتور فاضل السامرائي على ذلك بأنّ القاعدة الأساسية في استعمال كلمة “أبدًا” هي أنه إذا كان المقام مقام تفصيل وبسط للموضوع يذكر “أبدًا”، أو يذكرها أيضًا إذا كان المقام مقام تهديدٍ كثير أو وعيدٍ كثير أو وعدٍ كثير كما جاء في الوعد الكثير للمؤمنين في سورة البينة وتفصيل جزائهم، وكذلك في سورة الجن جاءت الآيات فيها تهديدٌ ووعيد شديد للكافرين فذُكرت “أبدًا”، فقد قال تعالى: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}،أمّا إذا لم يكن كذلك أي كان مقام إيجاز واختصار فلا يذكر “أبدًا” مثل قوله تعالى في سورة البيّنة فهو لم يصف عذاب الذين كفروا بل ذكره بإيجاز.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة البينة
مناسبة سورة البينة لما قبلها
تتناسب سورة البينة مع السورة التي قبلها في ترتيب المصحف وهي سورة القدر، حيث تقع موقع العلة لما قبلها كأنه لما قال سبحانه: {إِنّا أَنزلناهُ} قيل: لم أنزل فقيل لأنه لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة وهو رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة وذلك هو المنزل.
وقد ثبتت الأحاديث بأنه كان في هذه السورة قرآن نُسخ رسمه وهو: “إنَّ اللهَ عزَّ و جلَّ قال في سورة البينة: إنَّا أنْزَلْنا المالَ لِإِقَامِ الصَّلاةِ، و إِيتَاءِ الزكاةِ، ولَوْ كان لِابنِ آدمَ وادٍ، لَأحبَّ أنْ يَكُونَ إليهِ ثَانٍ، و لَوْ كان لهُ وادِيانِ لَأحبَّ أنْ يَكُونَ إليهِما ثالثٌ، و لا يَمْلَأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ على مَنْ تابَ”. (( الراوي : أبو واقد الليثي | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 1639 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وبذلك تشتد المناسبة بين هذه السورة وبين ما قبلها حيث ذكر هناك إنزال القرآن وهنا إنزال المال وتكون السورتان تعليلاً لما تضمنته سورة اقرأ لأن أولها ذكر العلم وفي أثنائها ذكر المال فكأنه قيل: إنا لم ننزل المال للطغيان والاستطالة والفخر بل ليستعان به على تقوانا وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة البينة