مقاصد سورة العلق
تنوّعت مقاصد سورة العلق التي تُعتبر أولى سور القرآن الكريم نزولًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد نزلتْ هذه السورة بواسطة جبريل في غار حراء، وهي إحدى سور المُفصّل، وتتكون من تسع عشرة آيةً مباركة، وهي السورة السادسة والتسعون في ترتيب المصحف الشريف.
مقاصد سورة العلق
تتمثل مقاصد سورة العلق الإجمالية في الأمر بعبادة من له الخلق والأمر، شكراً لإحسانه واجتناباً لكفرانه، طمعاً في جنانه وخوفاً من نيرانه، لما ثبت من أنه يدين العباد يوم المعاد، وكل من اسميها دال على ذلك لأن المربي يجب شكره، ويحرم غاية التحريم كفره، على أن {اقرأ}: يشير إلى الأمر، و {العلق} يشير إلى الخلق، و {اقرأ}: يدل على البداية وهي العبادة بالمطابقة، وعلى النهاية وهي النجاة يوم الدين باللازم، والعلق يدل على كل من النهاية ثم البداية بالالتزام، لأن من عرف أنه مخلوق من دم عرف أن خالقه قادر على إعادته من تراب، فإن التراب أقبل للحياة من الدم، ومن صدق بالإعادة عمل لها، وخص العلق لأنه مركب الحياة، ولذلك سمي نفسا.
وقد جاءت مقاصد سورة العلق تفصيلًا على النحو التالي:
الخلق والتعليم من موجبات الشكر
تُوجّه آيات سورة العلق الإنسان إلى ضرورة شكر الله على نعمه، بداية من نعمة الخلق من العدم ونعمة التعليم، وقد كان الأمر بالقراءة أول ما أمر الله به نبيه الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، حيث يجب على الإنسان أن يبحث عن طريق الله تعالى بالعلم والقراءة، كما تشتمل السورة على تعظيم شأن الكتابة أيضًا حيث يبين الله أنه هو من علّم الإنسان بالقلم ما لم يكن يعرفه لولا توفيق الله له.
تعتبر القراءة والكتابة من العناصر الأساسية لقيام الدول والشعوب، فكانت البداية بهما في مستهل الرسالة دليل على قيام حضارة إسلامية متى تمسكت الأمة بالعلم، وتُشير بداية الرسالة بالقراءة والكتابة إلى تكريم الإنسان ومدى علة شأنه عند الله تعالى، فهو الكائن الوحيد الذي منحه الله العقل لكي يقرأ ويتعلم وبالتالي يعرف الصواب من الخطأ.
يجب على الإنسان أن يستعين بالله تعالى عند القراءة حتى يحصل على منافع العلم مع ضرورة صدق النية والإخلاص، لذلك قال الله تعالى “اقرأ باسم ربك” أي مستعينًا به، كما يتعين على الإنسان أن يُقبل على العلم دون أن يخاف من عدم الفهم، لأنه إذا توكل على الله، أكرمه وفتح عليه، ولذلك اختار الله صفة الكرم في قوله “اقرأ وربك الأكرم”.
انحراف صنف من البشر عن الشكر
تُوضّح آيات سورة العلق انحراف بعض البشر عن شكر نعمة الله تعالى، فبمجرد ما يحصل الإنسان على العلم أو المال، ينسى أن الله تعالى هو الذي منحه هذه النعم، ويستغني بجهله عن خالقه، ويحتاج الإنسان إلى التحلي بالإيمان والتقوى حتى لا يطغى، ويكتسب الإنسان هذه الصفات من خلال العلم ومعرفة الله تعالى.
صورة من صور طغيان البشر
تستعرض سورة العلق صورًا من صور طغيان البشر، ويتمثل ذلك في قصة أبي جهل وموقفه من الدعوة، حيث لم يؤمن أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب عناده واستكباره لأن النبي كان من بني عبد مناف وهو من بني مخزوم، فكان حقده سببًا في عدم الدخول في الإسلام لدرجة أنه توعّد أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت، وأراد أن يطأ رقبته، فما كان منه إلا أن عاد إلى قومه وهو ينكص على عقبيه لأنه رأى خندقًا من نار بينه وبين الرسول.
تتضمن سورة العلق تحذيرًا شديد اللهجة لكل من يحارب دين الله مهما بلغت قوته وعزت صحبته في الحياة الدنيا، حيث كان لأبي جهل نادٍ يجتمع فيه الناس، ولكن هذا النادي لم يغنِ عنه من عذاب الله شيئًا حينما أصر على عناده وكفره؛ لأن الله عنده الزبانية التي تأخذ الإنسان بالعذاب، وخُتمت السورة بتوجيه الداعية إلى طريق الحق بضرورة مواصلة الدعوة والعبادة مهما زادت التحديات وكثرت العوائق.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة القلم
لطائف سورة العلق
تتضمن سورة العلق بعض اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق} فقد كرّر الله -تعالى- الفعل خلق، والسر في ذلك: ذكره -جل وعلا- لفعل اقرأ في المرة الأولى هو عام لكل مخلوق، أما في المرة الثانية فهو خاص بالإنسان، وجاء هذا التخصيص للبعد ما بين أول أحوال الإنسان وآخرها.
إذا وصل القارئ إلى قوله -تعالى-: {اقرأ باسم ربك}، وبعده: {اقرأ وربك}، وكذلك: {الذي خلق}، وبعده: {خلق}، ومثله {علم بالقلم}، و{علم الإنسان ما لم يعلم}؛ نلاحظ أن ذكر الله -تعالى- لهذا الترتيب كان بسبب أن قوله: {اقرأ} مطلق فقام بتقييده بالثاني، وأن قوله: {الذي خلق} المقصود به عام، فقام بتخصيصه بما بعده، ثم قال: {علم} والمقصود هنا مبهم فأتبعه بقوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} تفسيرا له، والله -تعالى- أعلم.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة العلق