مقاصد سورة الطارق
تقع سورة الطارق في الجزء الأخير من أجزاء القرآن الكريم البالغ عددها ثلاثين جزءًا، فهي السورة السادسة والثمانون في ترتيب المصحف الشريف، تسبقها سورة البروج وتليها سورة الأعلى، وتعنى مقاصد سورة الطارق بالإيمان بالملائكة والقرآن الكريم والبعث وقيام الساعة، وبيان صور من صور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم كخلق الإنسان.
مقاصد سورة الطارق
تتمثل مقاصد سورة الطارق الإجمالية في بيان مجد القرآن في صدقه في الإخبار بتنعيم أهل الإيمان، وتعذيب أهل الكفران، في يوم القيامة حين تبلى السرائر وتكشف المخبات الضمائر عن مثقال الذر وما دون المثقال، مما دونته الحفظة الكرام في صحائف الأعمال، بعد استيفاء الآجال، كما قدر في أزل الآزال، من غير استعجال، ولا تأخير عن الوقت المضروب ولا إهمال، واسمها الطارق أدل ما فيها على هذا الموعود الصادق بتأمل القسم والمقسم عليه حسب ما اتَّسَق الكلام إليه.
مقاصد سورة الطارق من الآية 1 حتى 9
يقسم الله تعالى في مطلع سورة الطارق بالسماء، ويقسم بالنجم الطارق الذي يطرق طرقًا وفسَّر أهل العلم كلمة الطارق بنجم يصدر صوت طرقٍ كالمطرقة، والثاقب هو المضيء، أمَّا جواب فهو إنَّ كلَّ نفس خلقها الله منذ بدء البشرية لها ملائكة يحفظون أعمالها كاملة، قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}.
تشرح الآيات خلق الإنسان، الإنسان المخلوق من ماء يخرج من ظهر والده ووالدته، والترائب هي عظام الصدر عند الرجل والمرأة، وإنَّما هذا التذكير تأكيدٌ على مقدرة الله تعالى على البعث والحساب من جديد، قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.
مقاصد سورة الطارق من الآية 10 حتى 17
تصف الآيات هنا حال الإنسان يوم تبلى السرائر، ففي تلك اللحظة لن يكون قوة ولن يكون ناصر ومعين، ثمَّ يقسم الله تعالى بالسماء ذات الرجع أي ذات المطر، وبالأرض ذات الصدع أي ذات الشقوق التي ينبت منها النبات، إنَّه هذا القول لا زيف ولا ريب فيه ولا شكَّ، وما هو قول باطل، وإنَّما هذا الوقت هو إمهال للكافرين ليس أكثر، قال تعالى: {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة القمر
لطائف سورة الطارق
تشتمل سورة الطارق على الكثير من اللطائف البيانية حيث أقسم الله في أولها بالسماء والطارق فقال: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، ومن المتعارف عليه عند علماء التفسير أن الله تعالى يذكر القسم في حديثه عندما يريد الإشارة إلى أمرٍ عظيم الشأن.
يحتمل الطارق في اللغة العربية الكثير من المعاني فقيل بأنّه طارق الباب ليلًا وقيل بأنّه القمر إذ يظهر في السماء ليلًا، وقيل بأنّه كلّ ما يظهر ليلًا ويخفى نهارًا، ولكنّ الله تعالى أراد أن يُعظّم أمر ما يُقسم به فكان قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ}، وهو سؤالٌ يفيد التفخيم والتعظيم ومعناه ما أدراك يا محمد ما هذا الطارق الذي أقسم به، وبمتابعة الحديث، يتبيّن أنّ الله تعالى أجاب عن سؤاله “وما أدراك ما الطارق؟” وذلك بقوله: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}، لينفي بذلك كلّ الشكوك والاستفسارات عن هذا الطارق الذي أقسم به -جلّ وعلا-.
يحلّ قوله: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} محلّ جواب القسم الذي بدأ الله تعالى به سورة الطارق، ويأتي تفسير الآية بأنّ كلّ نفسٍ لديها حافظٌ وكّله الله بحفظها وحمايتها من الآفات، كما أنّه يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وهذه الأعمال هي محل الجزاء يوم القيامة.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة فاطر
مناسبة سورة الطارق لما قبلها
تتناسب سورة الطارق مع سورة البروج التي سبقتها في ترتيب المصحف الشريف، قال الله تعالى في سورة البروج {والله على كل شيء شهيد}، {والله من ورائهم محيط}، وكان في ذلك تعريف العباد بأنه سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء، ولا يفوته شيء ولا ينجوا منه هارب.
أردف الله تعالى ما جاء في سورة البروج بتفصيل يزيد إيضاح ذلك التعريف المجمل من شهادته سبحانه وتعالى على كل شيء وإحاطته به فقال تعالى {إن كل نفس لما عليها حافظ} الطارق، فأعلم الله سبحانه وتعالى بخصوص كل نفس ممن يحفظ أنفاسها، ليعلم العبد أنه ليس بمهمل ولا مضيع، وهو سبحانه وتعالى الغني عن كتب الحفظة وإحصائهم وشهادة الشهود من الأعضاء وغيرهم، وإنما كان ذلك لإظهار عدله سبحانه وتعالى حتى لا يبقى لأحد حجة ولا تعلق، وأقسم سبحانه وتعالى على ذلك تحقيقاً وتأكيداً يناسب القصد المذكور.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الطارق