مقاصد سورة الإنسان
نزلت سورة الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وسُميت هذه السورة بهذا الاسم لغالبية أحوال الإنسان فيها، وتعالج مقاصد سورة الإنسان أموراً تتعلق بالآخرة وتتحدث عن نعيم المتقين الأبرار في دار الخلد في جنات النعيم.
مقاصد سورة الإنسان
تتمثل مقاصد سورة الإنسان الإجمالية في ترهيب الإنسان بما دل عليه آخر القيامة من العرض على الملك الديان بتعذيب العاصي في النيران وتنعيم المطيع في الجنان بعد جمع الخلائق كلها الإنس والملائكة والجان وغير ذلك من الحيوان، ويكون لهم مواقف طوال وأهوال وزلزال، لكل منها أعظم شأن، وأدل ما فيها على ذلك الإنسان بتأمل آيته وتدبر مبدئه وغايته.
وقد تضمنت مقاصد سورة الإنسان بعض التوجيهات التي تحدد الطريق المستقيم للمؤمنين وهذه التوجيهات هي:
- وجوب الإنفاق في سبيل الله: ذكر الله -جلّ وعلا- أنّ من صفات الأبرار أنّهم ينفقون ويطعمون الطعام محبّةً في الله وفي سبيله وبهذا يتوجب على المؤمنين الإنفاق والإطعام في سبيل الله، فقد قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
- وجوب إخلاص العمل لله -تعالى-: فقد حثّت الآيات الكريمة على وجوب إخلاص النيّة وجعل كلّ ما يقوم به العبد هو ابتغاء مرضاة الله دون انتظار الشكر من أحدٍ من عباده، وذلك في قوله -جلّ وعلا-: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.
- وجوب الوفاء بالنذر: فقد بيّنت الآيات الكريمة أنّ من صفات المؤمنين الأبرار أنّهم يوفون بنذورهم، فقد قال تعالى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.
- وجوب المداومة على الأذكار: فقد أمر الله -تبارك وتعالى- المسلمين بالمداومة على الصلاة وأداء العبادة والمحافظة على الأذكار من تسبيحٍ وتحميدٍ وتهليل، وذلك بقوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الرحمن
موضوعات ومضامين سورة الإنسان
تبدأ ببيان مقصد وجود الإنسان، والذي هو أيضا مقصد السورة، وهو أن الله خلق الإنسان ليختبره هل يشكر الله على نعمة الإيجاد وعلى الوعد بالنعيم في الجنة، أم يكفر. فالله خلق الإنسان ولم يك شيئاً فجعله سميعاً للكلام بصيراً للآيات وهداه إلى طريق الحق ليبتليه أيشكر أم يكفر. ويشتمل هذا الجزء على أول ثلاث آيات في السورة.
يُظهر الجزء الثاني من الآية الرابعة وحتى الآية السادسة المقارنة بين ما أعد الله للفئتين الكافرين في السعير والأبرار في النعيم. فبعد التنزيل والنذير فلا عذر، ولا شيء يبرّر الكفر، فمن يكفر فالسعير جزاؤه، أما البار فالنعيم جزاؤه.
في الجزء الثالث من السورة وهو من الآية السابعة وحتى الآية العاشرة بيان أعمال هؤلاء الشاكرين الأبرار الذين أدركوا مقصد وجودهم وحكمة الله في الخلق والإنعام والابتلاء. فهم يخافون الله ولا يخالفون فطرته التي فيها تحقيق مصلحتهم كجماعة، من الوفاء والإطعام والخوف من الله والعمل لوجه الله. فبالوفاء بالوعد والنذر يوفي لهم الله ما وعدهم به من النعيم الدائم، وكذلك يستبدل خوفهم أمناً ويطعمهم كما أطعموا.
بعد ذلك تُوضح الآيات جزاء هؤلاء الشاكرين الأبرار وهو الإكرام بالجنة المليئة بالنعيم والسرور والملك الكبير. فكان سعيهم القليل، مشكوراً من الله بالنعيم المقيم الذي لا يحصى، وذلك من الآية الحادية عشر وحتى الآية الثانية والعشرين.
تُبين الآيات أن الله أنزل القرآن على رسوله ليكون تذكرة للإنسان (بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب) بالصبر على هذه المرحلة من العمل والابتلاء بالعبادة وطاعة الله، وعدم طاعة الكافرين المنغمسين في الشهوات والكفر والضلال. فاصبر لأحكام الله ولا تطيع من رغب بالعاجلة عن الآخرة، وذلك من الآية الثالثة والعشرين وحتى الآية السادسة والعشرين.
تستعرض الآيات بعد ذلك حال الكافرين الذين أحبوا الدنيا وانشغلوا بالعمل لأجلها عن العمل لأجل الآخرة وعن ما فيه نجاتهم. وتبين أن الله قادر على يهلكهم ويأتي بقوم غيرهم شاكرين مطيعين، لكن مشيئته وحكمته اقتضت أن يبقيهم ويمهلهم ليجازيهم على أعمالهم، وقد اشتمل هذا الجزء على الآيتين السابعة والعشرين والثامنة والعشرين.
تُختم السورة بعد ذلك بالتأكيد على أن الإنسان مخيّر بين أن يشكر بطاعة الله والاهتداء إلى سبيله فينال رضاءه ورحمته أو أن يكفر فيكون من الظالمين فيقع عليهم عذابه.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة القمر
لطائف سورة الإنسان
تتناسب سورة الإنسان مع سورة القيامة، حيث تبين سورة الإنسان أسباب الإيمان وشكر الله، وهي تكريم الله للإنسان وتهيئة جميع أسباب السعادة له في الدنيا والآخرة، وأكثر آياتها بشارة وترغيب بشكر الله وعبادته وأنباء عن نعيم الجنة؛ أما سورة القيامة فهي تبين أسباب كفر الإنسان وأكثر آياتها تخويف بالقيامة.
تُعتبر سورتا الإنسان والقيامة متكاملتين حول موضوع الشكر والكفر؛ ففي سورة الإنسان: تقرير لوجود الإنسان على هذه الأرض ليعترف بالفضل لله المنعم الحق وليشكره باتباع هداه وصراطه المستقيم، لأنه مخلوق جبل على عبادة الله، ومفطور عليه؛ وفي القيامة: فإن كفر ولم يؤمن ولم يعترف لله بالفضل وأنه هو الخالق المنعم القادر، اعترف لغيره من الأوثان والآلهة التي لا تضر ولا تنفع، سواء ذلك كان جهلاً أو تقصيراً أو كبراً، أو بسبب حبه للعاجلة وهي الدنيا، وكفره بالآخرة وإنكاره أنه ممتحن ومحاسب على أعماله. والشكر من صفات الله، فهو يجزي على الحسنة عشرة أضعاف إلى سبعمئة ضعف وأكثر، والعدل أيضاً من صفاته فيعاقب الكافر بعمله عن أسباب الشكر والكفر.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الإنسان